الجهل ، وعلاجها ـ بعد التذكّر لما يستلزمه من النقص وعدم الوصول إلى المارف الحقّة ، وما يدلّ على شرف العلم وقبح الجهل عقلاً ونقلاً ـ تصقيل الذهن بالفكر دائماً مع رياضة النفس بالتقليل في المنام والمطعم مع الاحتراز عن الأطعمة المبخّرة الغليظة رأساً والجماع ، فإنّ كثرته تورث البلادة والنسيان ، وكذا سائر المشتهيات الشاغلة للنفس عن الفكر والنظر ، مع التضرّع والابتهال والاستمداد من النفوس القدسيّة والاجتهاد في ذلك إلى أن يفتح الله عليه أبواب فيضه وفضله ، قال تعالى : ( والّذين جاهدوافينا لنهدينّهم سبلنا ). (١)
وقد جرّبنا أنّ كثيراً نم المحصّلين في بدو اشتغالهم كانوا في غاية البلاهة وجمود القريحة ، ثمّ وصلوا بالرياضة والفكر إلى أعلى مراتب الفضيلة.
فصل
الجنس الشامل لهما الجهل أي خلوّ النفس عن العلم وأحسن أنواعه البسيط منه وهو في بدو الخلقة غير مذموم لكونه فطريّاً ، ولتوقف التعلّم عليه ، لكن الثبات عليه من المهلكات. وعلاجه ـ بعد التذكّر لما يدلّ على ذمّه من الآيات والأخبار الكثيرة ومدح العلم وشرفه ممّا سيذكر نبذ منها في المقام الثاني ـ أن يتفكّر فيما يترتّب عليه من القبائح عقلاً ، فيتأمّل في أنّ شرافة الانسان على سائر الحيوانات بخاصيته المختصّة به ، رأي النطق وقوّة التمييز كما أشرنا إليه ، فإذا كان عادماً لها كان منها.
وممّا يزيده كشفاً أنّه لو جلس والحال هذه في مجلس العلماء لم يقدر على الخوض معهم فيما يتذاكرون ، ولم يكن له بدّ عن السكوت والتألّم من العجز عن درك ما يتحاورون ، فما أشبه ما كان يتنطق به في غير ذلك المجلس بأصواب البهائم ، إذ لو كان نطقاً حقيقياً لكان قادراً على استعماله مع أولئك
__________________
١ ـ العنكبوت : ٦٩.