فصل
الخاطر ما يعرض للقلب من الأفكار.
فإن لم يكن مبدأ لفعل سميّت بالأماني ، سواء كانت من قبيل التمنّي مطلقاً ، أو تذكّر اللذّات الحسّية الحاصلة له بالفعل أو الائتة عنه ، أو البلايا الواردة عليه بالفعل أو الزائلة عنه ، أو التطّير بالأمور الاتّفاقية ، أو التفؤّل بها ، أو وسوسة في العقائد بما لاتؤدّي إلى شكّ مزيل لليقين كما عرفت.
وإن كانت محرّكة للارادة إلى الفعل ـ فإنّها أوّل مبادية ، ويتلوها الرغبة ، ثمّ العزم ، ثمّ النية ، فينبعث منها ـ فإن كانت مبدأ للخيرات سميّت إلهاماً ، وما يستعدّ به القلب له لطفاً وتوفيقاً ، والا وسواساً ، وما يتهيّؤ به القلب له إغواء وخذلاناً ، فإنّها لحدوثها تحتاج إلى سبب ، إمّا الملك أو الشيطان.
ثم النفوس في بدو الخلقة قابلة لهما بالنظر إلى القوى الثلاثة ، ولما كانت بينهما مدافعة ومنازعة ، فإن غلبت العاقلة على الأخنريين وصار لها السلطان في مملكة النفس لم تتمكّن الأخريان عن الذهاب في ودية الخواطر بدون رأيها ، فتتوجّه إلى ضبطهما وأمرهما بالخواطر المحمودة وصوالح الأعمال ، ومنعهما عن الخواطر الفاسدة وذمائم الأفعال ، إلى أن يحصل لهما ملكة الانقياد ، بحيث لايحدث منهما خاطر سوء في حال من الأحوال ، بل لم يخطر الا الخير من خزائنه الغيبية الفائضة من الواهب المفضال ، فلايبقى للشيطان مجال فيها الا على سبيل الاختلاس لامتلائها حينئذ من الخواطر المحمودة من المعارف الحقّة ومحاسن الأفعال ، فهي حينئذ مقرّ الملائكة ومهبطهم ومطلع الأنوار القدسيّة الفائضة من مشكاة الربوبيّة ، ولا مجال للشيطان حينئذ فيها ، كما لامجال لدخول الهواء في الاناء المملوّ من الماء.
وإن غلبت الأخريان عليها صارت من حزب الشيطان ومراتع جنوده ،