____________________________________
المتخلفين عن الجهاد (١) مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم مع إخلاص توبتهم ، وكثرة بكائهم ، وشدّة ندامتهم بخلاف التوبة عن الكفر حيث يقبل قطعا عرفناه بإجماع الصحابة والسلف رضي الله عنهم فإنهم يرغبون إلى الله تعالى في قبول توبتهم عن الذنوب والمعاصي ، كما في قبول صلاتهم وسائر أعمالهم ويقطعون بقبول توبة الكافر ، كذا ذكره القونوي ، ويمكن أن يقال : إن عدم جزمهم بتوبة أنفسهم لكونهم غير جازمين بحصول شرائطها ، إذ هي كثيرة بخلاف التوبة من الكفر فإن الاعتبار فيه مجرد الإقرار بحسب الظواهر والله أعلم بالسرائر.
ولذا كان السلف خائفين من قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (٢). أي حالا ومآلا والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فلا يرد أنه نزل في حق المنافقين ، وأما قوله تعالى : (وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) (٣). فمعناه يوفّقه للتوبة بقرينة كلمة على لا أنه يقبل توبته حيث لم يقل عن ، ولقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) (٤). والآية في المؤمنين وإخبار الله تعالى حق ووعده صدق فإنكاره كفر ، كما قال به بعضهم ، ولقوله عليه الصلاة والسلام : التائب من الذنب كمن لا ذنب له». وأما تأخير قبول توبة المخلفين عنه عليه الصلاة والسلام لعدم اطّلاعه على ما في قلوبهم وللتأدّب مع الله في الاستقلال بالحكم في أمرهم ، وأما هو سبحانه فلعله أخّر إظهار قبول توبتهم زجرا لهم ولأمثالهم عن عودهم إلى زلّتهم على أنه لا يبعد أنهم ما أخلصوا في نيّتهم إلا عند نزول قبول توبتهم.
وفي عمدة النسفي : ومن تاب عن كبيرة صحّت توبته مع الإصرار على كبيرة أخرى ولا يعاقب بها أي على الكبيرة التي تاب عنها خلافا لأبي هاشم من المعتزلة ، ثم قال : ومن تاب عن الكبائر لا يستغني عن توبة الصغائر ، ويجوز أن يعاقب بها عند أهل السّنّة والجماعة وعند الخوارج من عصى صغيرة أو كبيرة فهو كافر مخلد في النار إذا مات من
__________________
(١) حديث المخلفين عن غزوة تبوك أخرجه البخاري ٤٤١٨ ، ومسلم ٢٧٦٩ ، وأبو داود ٣٣٢٠ ، والترمذي ٣١٠٢ ، والنسائي ٢ / ٥٣ ـ ٥٤ و ٦ / ١٥٢ و ١٥٤ ، وابن ماجة ١٣٩٣ ، وأحمد ٦ / ٣٩٠ ، وابن أبي شيبة ١٤ / ٥٤٠ و ٥٤٥ ، وعبد الرزاق ١٩٧٤٤ ، والطبراني في الكبير ١٩ / ٩٠ ، وابن حبان ٣٣٧٠ كلهم من حديث كعب بن مالك.
(٢) البقرة : ٨.
(٣) التوبة : ١٥.
(٤) الشورى : ٢٥.