____________________________________
غير توبة ، وعند المعتزلة تفصيل في المسألة فإن كانت كبيرة يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر إلا أنه مخلد في النار ، وإن كانت صغيرة واجتنب الكبائر لا يجوز التعذيب عليها ، وإن ارتكب الكبائر لا يجوز العفو عنها وردّ عليهم بأجمعهم قوله سبحانه : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (١). كما مرّ بيانه في الإثناء وفي الإيماء إلى أنه سبحانه يعفو عن بعض أرباب الذنوب إلا أنه لا ندري في حق كل واحد على التعيين أنه هل يعفي عنه أم لا ، وإذا عذّبه فإنه لا يؤيده كما تدلّ عليه الأحاديث منها : «من قال لا إله إلّا الله دخل الجنة وإن زنى ، وإن سرق» (٢). وهو قول أكثر الصحابة والتابعين وأهل السّنّة والجماعة ، ثم الفرق لأصحابنا بين الكفر وبين ما دونه من الذنوب في جوار العفو عمّا دون الكفر وامتناعه فيه ما ذكره الشيخ أبو منصور الماتريدي في التوحيد : أن الكفر مذهب يعتقد إذ المذاهب تعتقد للأبد فعلى ذلك عقوبته أن يخلد في النار وسائر الكبائر لا تفعل للأبد ، بل في بعض الأوقات عند غلبة الشهوات فعلى ذلك عقوبتها في بعض الحالات إن لم يعف عنه ، ولم تتداركه الشفاعات ، وهذا في حق العصاة ، وأما غيرهم فقد قال الطحاوي : نرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفو عنهم ويدخلهم الجنة برحمته. انتهى.
وإنما استعمل الرجاء لظاهر إحسانهم في الحال لا على تحقيق الإيقان في المآل ، ولأن العمل الصالح ليس بموجب للجزاء ، بل الجزاء بفضل الله وبرحمته ، كما قال صلىاللهعليهوسلم : «لن يدخل أحدكم الجنّة بعمله ، فقيل : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا إلّا أن يتغمدني الله برحمته» (٣) ، وهذا لا ينافي ما قال الله تعالى : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٤) فإنه لمّا كان لا يتفضّل بدخول الجنة إلّا على من آمن وعمل صالحا ، فكأنه
__________________
(١) النساء : ٤٨.
(٢) أخرجه البخاري ٣٢٢٢ و ٢٣٨٨ ، ومسلم ٩٤ ، والترمذي ٢٦٤٤ ، والطيالسي ٤٤٤ ، وأحمد ٥ / ١٦٦ ، والنسائي في «اليوم والليلة» ١١٢٢ ، وابن حبان ١٦٩ ، والبغوي في شرح السّنّة ٥٤ ، وأبو عوانة ١ / ١٩ ، وابن مندة في الإيمان ٨٣ كلهم من حديث أبي ذر الغفاري.
(٣) أخرجه البخاري ٥٦٧٣ و ٦٣٦٣ ، ومسلم ٢٨١٦ ، وابن ماجة ٤٢٠١ ، وأحمد ٢ / ٢٣٥ و ٢٥٦ ، والبخاري في الأدب المفرد ٤٦١ ، والبغوي ٤١٩٢ و ٤١٩٣ و ٤١٩٤ من حديث أبي هريرة.
وأخرجه من حديث عائشة : البخاري ٦٤٦٤ و ٦٤٦٧ ، ومسلم ٢٨١٨ ، وأحمد ٦ / ١٢٥. وأخرجه من حديث جابر : مسلم ٢٨١٧ ، وأحمد ٣ / ٣٣٧ و ٣٦٢ ، والدارمي ٢ / ٣٠٥ ـ ٣٠٦. وأخرجه من حديث أبي سعيد الخدري : أحمد ٣ / ٥٢.
(٤) النحل : ٣٢.