____________________________________
يدخله بعمله الصالح ، والحاصل أن الباء للسببية لا للمقابلة والبدلية ، وقد يقال : إن إيمانه وعمله الصالح قد تحقّق منه بفضل الله تعالى فلا مناقضة بين القول بأنه يدخل الجنة بفضل الله ورحمته وبين القول بأنه يدخلها بعمله وطاعته وبعضهم قدّر الدرجات مقابلة للطاعات ، فالتقدير ادخلوا درجات الجنة ، وأما نفس الدخول فبالفضل المجرّد حيث لا يجب عليه شيء والخلود بالنيّة كما أن دخول الكفّار في النار بمجرد العدل ، والدركات بحسب اختلاف ما لهم من الحالات والخلود باعتبار النيّات.
ثم لما جاز عندنا غفران الكبيرة بدون التوبة مع عدم الشفاعة فمع وجود الشفاعة أولى وقد قال صلىاللهعليهوسلم : «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» (١). وهو يحتمل أن يكون قبل دخول النار ، وأن يكون بعده وتقييد المعتزلة تلك الشفاعة برفع الدرجة يأبى تخصيصه لأهل الكبائر وعندهم لمّا امتنع العفو فلا فائدة في الشفاعة. واستدلوا بقوله تعالى : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) (٢). مع أن الآية في الكفّار بإجماع المفسرين على أن أصحابنا استدلّوا بهذه الآية على ثبوت الشفاعة للمؤمنين ، لأنه ذكر ذلك في معرض التهديد للكفار ، ولو كان لا شفاعة لغير الكفار أيضا لم يكن لتخصيص الكفار بالذكر في حال تقبيح أمرهم معنى.
ثم اعلم أن الحسنات يذهبن السيئات كما قال الله تعالى إلا أنها مختصّة بالصغائر ولا تبطل الحسنات بشؤم المعاصي إلا بالكفر لقوله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) (٣). والفسق ليس في معنى الكفر فلا يلحق به في الإحباط خلافا للمعتزلة لا يقال إن قوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (٤). يفيد أن من عمل صالحا وأتى خيرا ثم مات كافرا يرى جزاء ذلك الخير وهو باطل بالإجماع لأنّا نقول : إن
__________________
(١) حديث صحيح بطرقه وشواهده ، أخرجه أبو داود ٤٧٣٩ ، والترمذي ٢٤٣٥ ، وأحمد ٣ / ٢١٣ ، والطيالسي ٢٠٢٦ ، وأبو نعيم في الحلية ٧ / ٢٦١ ، والطبراني في الصغير ١ / ١٦٠ من حديث أنس ، وصحّحه ابن حبان ٢٥٩٦ ، والحاكم ١ / ٦٩. وأخرجه الترمذي ٢٤٣٦ ، وابن ماجة ٤٣١٠ ، والطيالسي ١٦٦٩ ، وأبو نعيم في الحلية ٣ / ٢٠٠ ـ ٢٠١ من حديث جابر بن عبد الله وصححه الحاكم ١ / ٦٩. وأخرجه الطبراني ١١٤٥٤ من حديث ابن عباس ، والخطيب البغدادي ٨ / ١١ من حديث ابن عمر.
(٢) المدّثر : ٤٨.
(٣) المائدة : ٥.
(٤) الزلزلة : ٧.