____________________________________
لأن ما ثبت قدمه يستحيل عدمه كما هي مستفادة من قوله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) (١). أي بلا ابتداء ولا انتهاء ، وأما القديم فليس من الأسماء الحسنى ، وإن أطلقه عليه علماء الكلام مع أنه أنكره كثير من السلف الكرام وكذا بعض من الخلف الفخام ، ومنهم ابن حزم (٢) ذهابا إلى الجزم بأن القديم في لغة العرب التي نزل به القرآن هو المتقدم على غيره فيقال : هذا قديم للعتيق ، وهذا حديث للجديد لا القدم الذي لا يسبقه العدم ، ففي التنزيل قوله تعالى : (عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (٣) ، قيل وهو الذي يبقى إلى حين وجود العرجون الثاني ، فإن وجد الجديد ، قيل للأول قديم ، وقوله تعالى : (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) (٤). أي متقدّم في الزمان ، ثم لا ريب فيه أنه إذا كان مستعملا بمعنى المتقدم فمن تقدّم على الحوادث كلها فهو أحق بالتقدّم من غيره لكن أسماء الله تعالى هي الأسماء الحسنى التي تدل على خصوص ما يمدح به والتقدّم في اللغة مطلق لا يختص بالتقدّم على الحوادث كلها فلا يكون من الأسماء الحسنى ، وجاء الشرع باسمه الأول وهو أحسن من القديم لأنه يشعر بأن ما بعده آئل إليه متابع له بخلاف القديم. إلا أنه لما كان الله سبحانه وتعالى هو الفرد الأكمل في معنى القديم المتناول للأول فأطلقه المتكلمون عليه فتأمل.
ثم القيوم يدل على معنى الأزلية والأبدية ما لا يدلّ عليه لفظ القديم ، ويدلّ أيضا على كونه موجودا بنفسه وهو معنى كونه واجب الوجود ، ولهذا المبنى المشتمل على حقائق المعنى قيل ، الحيّ القيّوم هو الاسم الأعمّ ، ويؤيده ما صحّ عنه صلىاللهعليهوسلم أن قوله تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (٥). أعظم آية في القرآن ، ويقوّيه أن هذين الاسمين مدار الأسماء الحسنى كلها وإليهما يرجع جميع معانيها فإن الحياة مستلزمة لجميع صفات الكمال ، فلا يتخلّف عنها صفة منها إلا لضعف الحياة ، فإذا كانت حياته أكمل حياة وأتمّها استلزم إثباتها إثبات كل كمال يضاهيه كمال الحياة ، وأما القيّوم فهو متضمن كمال غناء وكمال قدرته وافتقار غيره إليه في ذاته وصفاته إيجادا وإمدادا فإنه
__________________
(١) الحديد : ٣.
(٢) هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري الفارسي الأصل الأندلسي المتوفى سنة ٤٥٦. أشهر آثاره الإحكام لأصول الأحكام والمحلّى بالآثار.
(٣) يس : ٣٠.
(٤) الأحقاف : ١١.
(٥) البقرة : ٢٥٥.