وهو شيء لا كالأشياء ....
____________________________________
وبالجملة فأهل السّنّة كلهم من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم من السلف والخلف متفقون على أن القرآن غير مخلوق ، ولكن بعد ذلك تنازع المتأخرون في أن كلام الله هل هو معنى واحد قائم بالذات ، أو أنه حروف وأصوات تكلم الله (١) بعد أن لم يكن متكلما ، أو أنه لم يزل متكلما إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء ، وأن نوع الكلام (٢) قديم وهو مختار الإمام الطحاوي ، والنزاع بين أهل القبلة إنما هو في كونه مخلوقا خلقه الله أو هو كلامه الذي تكلم به وقام بذاته (وهو شيء لا كالأشياء) هذا فذلكة الكلام ومجملة المرام ، فإنه سبحانه شيء أي موجود بذاته وصفاته إلا أنه ليس كالأشياء المخلوقة ذاتا وصفة كما يشير إليه قوله سبحانه : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (٣). سواء يقال الكاف زائدة للتأكيد والمبالغة كقول العرب مثلك لا يبخل وهم يريدون نفيه عن نفسه ، وأنهم إذا نفوه عن مثله فقد نفوه عنه بأبلغ وجه منه فالكناية أبلغ في باب الرعاية والتلويح أولى من التصريح ، أو يقال : الكاف ثابتة والمراد بمثله ذاته أو صفاته.
والحاصل كما قاله العارف الكامل ما خطر ببالك فالله سوى ذلك ، وقد قال الله تعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) (٤). والعجز عن درك الإدراك إدراك ، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام قوله : «لا أحصي ثناء عليك أنت ، كما أثنيت على نفسك» (٥) ، ويعلم من قوله شيء لا كالأشياء أنه سبحانه ليس في مكان من الأمكنة ولا في الزمان من الأزمنة ، لأن المكان والزمان من جملة المخلوقات وهو سبحانه كان موجودا في الأزل ولم يكن معه شيء من الموجودات ، ثم اعلم أن الشيء في أصله مصدر قد يستعمل بمعنى المفعول كما في قوله تعالى : (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٦). وبهذا المعنى لا يجوز
__________________
(١) زاد في شرح الطحاوية : تكلم الله بها.
(٢) من قوله : وأيضا فالرسول في إحدى الآيتين إلى هنا مأخوذ من شرح الطحاوية ١ / ١٨٤ ـ ١٨٥ بشيء من التصرف.
تنبيه : لا يلتفت إلى تنازع المتأخرين ، وإنما الحق فيما اجتمع عليه سلف الأمة وهو ما أشار إليه الشارح بقوله : «لم يزل متكلّما إذا شاء» فاستمسك بغرز هذا القول واستقم عليه واحذر مما أحدثه المتأخّرون.
(٣) الشورى : ١١.
(٤) طه : ١١٠.
(٥) هو بعض حديث صحيح أخرجه مسلم وقد تقدّم تخريجه.
(٦) البقرة : ٢٨٤.