ومعنى الشيء إثباته بلا جسم ولا جوهر ولا عرض ، ولا حدّ له ولا ضدّ له ولا ندّ له ولا مثل له ...
____________________________________
إطلاقه على الله تعالى ، وبمعنى الفاعل كقوله سبحانه : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً ، قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) (١). وحينئذ يجوز إطلاقه عليه سبحانه ، وقد يراد به مطلق الموجود إلا أنه فرّق بين المعبود الموصوف بأنه واجب الوجود وبين الممكن الموجود الذي يستوي وجوده وعدمه في مقام المقصود ، فبهذا الاعتبار إطلاق لفظ الشيء عليه سبحانه أحق من إطلاقه على غيره. (ومعنى الشيء) أي : معنى كونه شيئا لا كالأشياء (إثباته) أي إثبات وجود ذاته (بلا جسم ولا جوهر ولا عرض) أي في اعتبار صفاته لأن الجسم متركب ومتحيّز وذلك إمارة الحدوث والجوهر متحيّز وجزء لا يتجزأ من الجسم والعرض كل موجود يحدث في الجواهر والأجسام وهو قائم بغيره لا بذاته كالألوان والأكوان من الاجتماع والافتراق والحركة والسكون وكالطعوم والروائح والله تعالى منزّه عن ذلك.
وحاصله أن العالم أعيان وأعراض فالأعيان ما له قيام بذاته ، وهو إما مركب ، وهو الجسم ، أو غير مركب كالجوهر وهو الذي لا يتجزّأ والله سبحانه منزّه عن ذلك كله ، وما أحسن قول الرازي رحمهالله : المجسم ما عبد الله قطّ لأنه يعبد ما تصوّره في وهمه من الصورة والله تعالى منزّه عن ذلك ، ونقل أن أبا حنيفة رحمهالله سئل عن الكلام في الأعراض والأجسام فقال : لعن الله عمرو بن عبيد هو فتح على الناس الكلام في هذا. (ولا حد له) أي ليس له حد ولا نهاية. (ولا ضدّ له) أي ليس له منازع وممانع أبدا لا في البداية ولا في النهاية (ولا ندّ له) أي لا شبيه له ولا شريك له ، كما قال الله تعالى : (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) (٢). أي (بالأصنام) وغيرها من الأنام. (ولا مثل له) أي لا شبيه له ولا كفؤ ولا نوع له حيث لا جنس له ...
واقتتلت طائفتان في باب الصفات فطائفة غلت في النفي ، وطائفة غلت في الإثبات ، ونحن صرنا إلى الطريق المتوسط بين الغلو والتقصير فأثبتنا صفات الكمال ونفينا المماثلة من جميع الأحوال بقي أنه يتوهم من قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) أن هذه الصفة لا تكون إلا مخصوصة بحضرته تعالى لأن الاختصاص ينتقض بالعدم ، إذ العدم من حيث هو عدم ليس كمثله شيء ، فقوله تعالى : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ، دفع لهذا الوهم والخيال والإشكال فإن من المحال أن يكون العدم سميعا بصيرا ، ويسمى مثل ذلك
__________________
(١) الأنعام : ١٩.
(٢) البقرة : ٢٢.