يعلم الله تعالى المعدوم في حال عدمه معدوما ، ويعلم أنه كيف يكون إذا أوجده ، ويعلم الله تعالى الموجود في حال وجوده موجودا ، ويعلم أنه كيف يكون فناؤه ، ويعلم الله تعالى القائم في حال قيامه قائما ، وإذا قعد علمه قاعدا في حال قعوده من غير أن يتغيّر علمه أو يحدث له علم ، ولكن التغيّر والاختلاف يحدث في المخلوقين. خلق الله تعالى الخلق سليما من الكفر والإيمان ، ....
____________________________________
والحاصل أن كل شيء تعلقت به مشيئته تعلقت به قدرته ، وإلا فلا يقال هو قادر على المحال لعدم وقوعه ، ولزوم كذبه ، ولا يقال غير قادر عليه تعظيما لأدبه من ربه ، ثم هذا العام مخصوص بقوله تعالى : (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (١) فإنه باق على العموم وشامل للموجود والمعدوم ، والمحال والموهوم كما بيّنه الإمام الأعظم رحمهالله بقوله : (يعلم الله تعالى المعدوم في حال عدمه معدوما) أي بوصف المعدومية (ويعلم أنه كيف يكون إذا أوجده) أي في عالم الربوبية ، بل ويعلم أن شيئا لا يكون ولو كان كيف يكون (ويعلم الله تعالى الموجود في حال وجوده موجودا). أي بعد علمه في حال عدمه معدوما ، (ويعلم الله أنه كيف يكون فناؤه) أي إذا أراد أن يجعله معدوما بعد أن علمه في حال وجوده موجودا من غير تغيّر علمه في مراتب كونه معلوما قائما (ويعلم الله تعالى القائم في حال قيامه قائما) أي مثلا ، وإلا فكذا في حال حياته وصلاته وصيامه وسائر مقاماته (فإذا قعد) أي تغيّر عن حاله الأول (علمه قاعدا في حال قعوده) أي انتقاله من حالة إلى حالة علما تنجيزيّا ظاهريّا بعد ما كان يعلم أنه سيقعد إلا أن ذلك العلم كان ذهنيّا وباطنيّا كما حقّق في تفسير قوله : (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) (٢). (من غير أن يتغير علمه) وزيد في نسخة أو صفته والظاهر أن الثاني وجد في نسخة بدل علمه فألحقه به وما أبدله فحصل بسبب الجمع بعض خلل (أو يحدث له علم) أي في ثاني حاله ما لم يكن في أزله (ولكن التغيّر) أي الانتقال (واختلاف الأحوال) أي من القيام والقعود وأمثالهما من الأفعال (يحدث في المخلوقين) مع تنزّه الملك المتعال عن قبول الانفعال وحصول التغيّر والانتقال ، فإن علمه قديم بالأشياء فإذا أوجد شيئا أو أفناه فإنما يوجده أو يفنيه على وفق ما علمه وطبق ما قدّره وقضاه فإذا لا يتغيّر علمه ولا يختلف حكمه. ولا يحدث له علم بتغيّر الموجود والمعدوم واختلافه وحدوثه (خلق) أي الله تعالى كما في نسخة (الخلق) أي المخلوقين (سليما من الكفر والإيمان) أي سالما من
__________________
(١) البقرة : ٢٨٢.
(٢) البقرة : ١٤٣.