دُونَك فَكافَيتَهمْ ، أو لم يكُنْ سبُبهُ بيَدِكَ فجازَيتُهمْ ، بَلْ ملَكْتَ يا إِلهي أمرهُمْ قَبلَ انْ يَملِكُوا عَبادَتَكَ ، واعْدَدْتَ ثَوابهُم قَبلَ أَنْ يُفيضُوا في طَاعَتِكَ ، وذلِكَ أنَّ سُنَّتكَ الإفضالُ ، وَعادَتكَ الإحسَانُ ، وَسَبيلكَ العفْوُ.
فَكُلُّ البريَّةِ مُعْترفَةٌ بأنَّكَ غيرُ ظالمٍ لِمنْ عاقَبتَ ، وشَاهِدَةٌ بانّكَ متفضِّلٌ على مَنْ عَافيتَ ، وكلٌّ مُقرٌّ على نفسِهِ بالتقصيرِ عمّا استوجبتَ ، فَلو (١) انَّ الشَّيطَانَ يختدعُهم عَنْ طاعَتِكَ ، ما عَصَاكَ عاصٍ ، ولو لا أنَّه صَوَّر لَهمُ الباطِلَ في مِثالِ الحقِّ ما ضلَّ عن طريقِكَ ضَالٌّ.
فسبحانَكَ ما أبينَ كرَمَكَ في مُعامَلَةِ مَن أطَاعَك أو عَصاكَ ، تشكُرُ للمُطيعِ ما أنتَ تولَّيْتَهُ لهُ ، وتُملي للعاصي فيما تَملِكُ مُعاجلَته فيهِ ، أعطَيتَ كلًّا منهُمَا ما لَمْ يجِبْ لهُ ، وتفضَّلْتَ عَلى كل منهُما بما يقصُرُ عملُهُ عنهُ.
وَلوْ كافأتَ المُطيعَ على ما أنتَ تولَّيْتَهُ لأوشكَ انْ يَفقِدَ ثوابَكَ ، وأنْ تزُول عَنهُ نِعمتُكَ ، ولكنَّكَ بكَرَمِكَ جازيتَهُ علَى المدَّةِ القَصِيرَةِ الفانيةِ بالمدَّةِ الطَّويلةِ الخَالِدَةِ ، وعلى الغايَةِ القَريبةِ الزَّائِلةِ بالغايَةِ المَدِيدَةِ البَاقِية.
__________________
(١) في المصدر : فلولا.