إذ لو حفرت في الجبال لصعب الأمر وشق ، ومن الحكمة في لينها تيسير السير للسعادة فيها إذ لو صلبت لعسر السير ولم تظهر الطرق ، وقد نبه الله تبارك وتعالى على ذلك بقوله : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها) [الملك : ١٥]. وقال تعالى : (وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) [الأنبياء : ٣١]. ومن ذلك ما يستعين به العباد من ترابها ولينها في البناء وعمل اللبن وأواني الفخار وغير ذلك ، والمواضع التي ينبت فيها الملح والشب والبورق والكبريت أكثرها تربة رخوة. وأيضا أجناس من النبات لا يوجد إلا في التراب والرمل دون الأرض المحيلة ويخلق فيها كثير من الحيوان لسهولة حفرها فيتخذون فيها مسارب وبيوتا يؤوى إليها ، ومن الحكمة فيها خلق المعادن كما ذكرنا ، فقد امتن سبحانه على سليمان صلىاللهعليهوسلم بقوله : (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) [سبأ : ١٢]. أي سهلنا له الانتفاع بالنحاس وأطلعناه على معدنه وقال امتنانا على عباده : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) [الحديد : ٢٥]. والنزول بمعنى الخلق كما قال سبحانه : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ) [الزمر : ٦]. أي خلق ، والهمهم استخراج ما فيها من ذهب وفضة وغير ذلك لمنافعهم وما يحتاجون إليه في معاشهم وفي اتخاذ أوانيهم ، وفي ضبطها ما يحتاجون إلى ضبطه وتقويته واتخاذ أنواع من الحجارة النفيسة لتبقى فيها كالزجاج ويتخذون منها أواني لحفظ ما يحصل فيها من الأمور النفيسة لتبقى فيها سليمة لوقت الاحتياج إليها إذ لا غنى لهم عنها ، وكذلك يستخرج من المعادن الأكحال مثل : (الدهبخ والمرفنعنا) والسادن والتوتيا وغير ذلك من أصناف ينتفعون بها فسبحان المنعم الكريم. ومن الحكمة البالغة فيها خلق الجبال. قال الله تعالى : (وَالْجِبالَ أَرْساها) [النازعات : ٣٢]. وقال تعالى: (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) [النحل : ١٥]. وقال سبحانه : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) [المؤمنون : ١٨]. فقد خلق سبحانه فيها الجبال لمنافع متعددة لا يحيط بجميعها إلا الله ، فمن ذلك أن الله تعالى أنزل من السماء المياه ليحيي بها العباد والبلاد ، فلو كانت الأرض عارية عن الجبال لحكم عليها الهواء وحر الشمس مع رخو الأرض ، فكانوا لا يجدون المياه إلا بعد حفر وتعب ومشقة ، فجعل سبحانه الجبال لتستقر في بطونها المياه ويخرج أولا فأولا فتكون منها عيون وأنهار وبحار يرتوي بها العباد في أيام القيظ إلى أوان نزول غيث السماء ، ومن الجبال ما ليس في باطنها محل للمياه ، فجعل الثلج محفوظا على ظاهرها إلى أن يحله حر الشمس فيكون منه أنهار وسواق ينتفع بها إلى أوان نزول الغيث أيضا.
ومنها ما يكون فيه برك يستقر فيها الماء فيؤخذ منها وينتفع به ، ومن منافع الجبال ما يثبت فيها من أنواع الأشجار والعقاقير التي لا توجد إلا فيها ، وما يثبت فيها من أنواع الأخشاب العظيمة فيعمل منها السفن وتعمر منها المساكن ، وفيها الشعارى التي لا يوجد ما يعظم من الأخشاب إلا فيها ، وكذلك العقاقير أكثرها لا يوجد إلا بها ، وفيها وهاد تنبت مزارع للأنعام ومزارع لبني آدم ومساكن للوحوش ومواضع لأجناح النحل ، ومن منافع الجبال ما يتخذه العباد