الملائكة وتجبروا وتكبروا فقالوا : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) [البقرة : ٣٠]. ونعلم حقائق الأشياء ، فرجع آدم عليهالسلام إلى باب خالقه ، وأخرج قلبه عن جملة المكونات وأقبل بالاستعانة على الربّ تعالى فعلمه جميع الأسماء : (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ) [البقرة : ٣١]. فقال : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [البقرة : ٣١]. فصغر حالهم عند آدم. وقل علمهم وانكسرت سفينة جبروتهم فغرقوا في بحر العجز (قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) [البقرة : ٣٢]. فقال تعالى : (يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) [البقرة : ٣٢]. فأنبأهم آدم عليهالسلام عدّة مكنونات العلم ومستترات الأمر ، فتقرر الأمر عند العقلاء أن العلم الغيبي المتولّد عن الوحي أقوى وأكمل من العلوم المكتسبة ، وصار علم الوحي إرث الأنبياء وحقّ الرسل ، وأغلق الله باب الوحي من عهد سيدنا محمدصلىاللهعليهوسلم ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم وخاتم النبيين ، وكان أعلم الناس وأفصح العرب والعجم وكان يقول : " أدبني ربي فأحسن تأديبي" ، وقال لقومه : أنا أعلمكم وأخشاكم من الله تعالى ، وإنما كان علمه أكمل وأشرف وأقوى لأنه حصل عن التعليم الرباني ، وما اشتغل قطّ بالتعلم والتعليم الإنساني. قال تعالى : (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) [النجم : ٥].
الوجه الثاني : هو الإلهام ، والإلهام تنبيه النفس الكلية للنفس الجزئية الإنسانية على قدر صفائها وقبولها وقوة استعدادها والإلهام أثر الوحي فإن الوحي هو تصريح الأمر الغيبي والإلهام هو تعريضه ، والعلم الحاصل عن الوحي يسمى علما نبويا ، والذي يحصل عن الإلهام يسمى علما لدنيا ، والعلم اللدني هو الذي لا واسطة في حصوله بين النفس وبين الباري ، وإنما هو كالضوء من سراج الغيب يقع على قلب صاف فارغ لطيف ، وذلك أن العلوم كلها حاصلة معلومة في جوهر النفس الكلية الأولى الذي هو في الجواهر المفارقة الأولية المحضة بالنسبة إلى العقل الأول كنسبة حواء إلى آدم عليهالسلام ، وقد بيّن أن العقل الكلي أشرف وأكمل وأقوى إلى الباري تعالى من النفس الكلية. والنفس الكلية أعز وألطف وأشرف من سائر المخلوقات فمن إفاضة العقل الكلي يتولّد الإلهام ومن إشراق النفس الكلية يتولد الإلهام ، فالوحي حلية الأنبياء والإلهام زينة الأولياء. فأما علم الوحي فكما أن النفس دون العقل فالولي دون النبي فكذلك الإلهام دون الوحي فهو ضعيف بنسبة الوحي قوي بإضافة الرؤيا والعلم علم الأنبياء والأولياء. فأما علم الوحي فخاض بالرسل موقوف عليهم كما كان لآدم وموسى عليهماالسلام وإبراهيم ومحمّد صلّى الله عليهما وسلّم وغيرهم من الرسل ، وفرّق بين الرسالة والنبوة. فالنبوة قبول النفس القدسية حقائق المعلومات والمعقولات إلى المستفيدين والقابلين ، وربما يتفق القبول لنفس من النفوس ولا يتأتى لها التبليغ لعذر من الأعذار وسبب من الأسباب ، والعلم اللدني يكون لأهل النبوة والولاية كما كان للخضر عليهالسلام حيث أخبر الله تعالى عنه ، فقال : (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) [الكهف : ٦٥]. وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه : " أدخلت لساني في فمي فانفتح في قلبي ألف باب من العلم مع كل باب ألف باب ، وقال : لو وضعت لي وسادة وجلست عليها لحكمت لأهل التوراة بتوراتهم