المنزل تأثرا ضعيفا. ودقّ غمام النسيان في خواطرهم فيشتغلون بالتعلّم. ويطلبون الصحة الأصلية فيزول مرضهم بأدنى معالجة ، وينقشع غمام نسيانهم بأقل تذكر وبعضهم يتعلمون طول عمرهم ويشتغلون بالتعليم ويطلبون الصحة الأصلية فيزول مرضهم بأدنى معالجة. وينقشع غمام نسيانهم بأقل تذكر وبعضهم يتعلمون طول عمرهم ويشتغلون بالتحصيل والتصحيح جميع أيامهم ، ولا يفهمون شيئا لفساد أمزجتهم ، لأن المزاج إذا فسد لا يقبل العلاج ، وبعضهم يتذكرون وينسون ويرتاضون ويذلون أنفسهم ويجدون نورا قليلا وإشراقا ضعيفا ، وهذا التفاوت إنما ظهر من إقبال النفوس على الدنيا واستغراقها بحسب قوتها وضعفها كالصحيح إذا مرض ، والمريض إذا صح ، وهذه العقدة إذا انحلت تقر النفوس بوجود العلم اللدني وتعلم أنها كانت عالمة في أول الفطرة وصافية في ابتداء الاختراع ، وإنما جهلت لأنها مرضت بصحبة هذا الجسد الكثيف ، والإقامة في هذا المنزل الكدر والمحل المظلم ، وأنها لا تطلب بالتعلم إيجاد العلم المعدوم. ولا إبداع العقل المفقود ، بل إعادتها العلم الأصلي الغريزي وإزالة طريان المرض بإقبالها على زينة الجسد وتمهيد قاعدته ونظم أساسه ، والأب المحب المشفق على ولده إذا أقبل على رعاية الولد ، واشتغل بمهماته ينسى جميع الأمور ويكتفي بأمر واحد وهو أمر الولد ، فالنفس لشدة شغفها وشفقتها أقبلت على هذا الهيكل واشتغلت بعمارته ورعايته والاهتمام بمصالحه ، واستغرقت في بحر الطبيعة بسبب ضعفها وجزئيتها فاحتاجت في أثناء العمر إلى التعلم طلبا لتذكار ما قد نسيت ، وطمعا في وجدان ما قد فقدت وليس التعلم إلا رجوع النفس إلى جوهرها وإخراج ما في ضميرها إلى الفعل طلبا لتكميل ذاتها ونيل سعادتها ، وإذا كانت النفوس ضعيفة لا تهتدي إلى حقيقة جوهريتها تتمسك وتعتصم بمعلم مشفق عالم وتستغيث به لعينها على طلب مرادها ومأمولها كالمريض الذي يكون جاهلا بمعالجته ويعلم أن الصحة الشريفة محمودة مطلوبة. فيرجع إلى طبيب مشفق ، ويعرض حاله عليه ويأوي إليه ليعالجه ويزيل عنه مرضه. وقد رأينا عالما يمرض بمرض خاص كالرأس والصدر فتعرض نفسه عن جميع العلوم وينسى معلوماته وتلتبس عليه ويستتر في حافظته وذاكرته جميع ما حصل في سابق عمره وماضي أيامه. فإذا صحّ عاد الشفاء إليه يزول النسيان عنه وترجع النفس إلى معلوماتها فتتذكر ما قد نسيت في أيام المرض ، فعلمنا أن العلوم ما فنيت وإنما نسيت وفرق بين المحو والنسيان بالناس فإن المحو فناء النقوش والرسوم ، والنسيان التباس النقوش فيكون كالغمام أو السحاب الساتر لنور الشمس عن أبصار الناظرين لا كالغروب الذي هو انتقال الشمس من فوق الأرض إلى أسفل. فاشتغال النفس بالتعلم هو إزالة المرض العارض عن جوهر النفس لتعود إلى ما علمت في أول الفطرة وعرفت في بدء الطهارة. فإذا عرفت السبب والمراد من التعلم وحقيقة النفس وجوهرها فاعلم أن النفس المريضة تحتاج إلى التعلم وإنفاق العمر في تحصيل العلوم. فأما النفس التي يخف مرضها وتكون علّتها ضعيفة وشرّها دقيقا