صفة لله تعالى إما القدرة أو غيرها كما اختلف فيه المتكلمون.
وأما الوجود الشبهي : فمثاله الغضب والشوق والفرح والصبر وغير ذلك مما ورد في حقّ الله تعالى ، فإن الغضب مثلا حقيقته أنه غليان دم القلب لإرادة التشفي وهذا لا ينفك عن نقصان وألم ، فمن قام عنده البرهان على استحالة ثبوت نفس الغضب لله تعالى ثبوتا ذاتيا وحسيا وخياليا وعقليا نزله على ثبوت صفة أخرى يصدر منها ما يصدر من الغضب كإرادة العقاب ، والإرادة لا تناسب الغضب في حقيقة ذاته ولكن في صفة من الصفات وتقارنها وأثر من الآثار يصدر عنها وهو الإيلام. فهذه درجات التأويلات.
فصل في المصدقين
اعلم أن كل من نزل قولا من أقوال صاحب الشرع على درجة من هذه الدرجات فهو من المصدقين ، وإنما التكذيب أن ينفي جميع هذه المعاني ، ويزعم أن ما قاله لا معنى له ، وإنما هو كذب محض وغرضه فيما قاله التلبيس أو مصلحة الدنيا وذلك هو الكفر المحض والزندقة ، ولا يلزم كفر المؤولين ما داموا يلازمون قانون التأويل كما سنشير إليه وكيف يلزم الكفر بالتأويل ، وما من فريق من أهل الإسلام إلا وهو مضطر إليه. فأبعد الناس عن التأويل أحمد بن حنبل رحمة الله عليه ، وأبعد التأويلات عن الحقيقة وأغربها أن تجعل الكلام مجازا أو استعارة هو الوجود العقلي والوجود الشبهي ، والحنبلي مضطر إليه وقائل به ، فقد سمعت الثقات من أئمة الحنابلة ببغداد يقولون إن أحمد بن حنبل رحمهالله صرح بتأويل ثلاثة أحاديث فقط :
أحدها : قوله صلىاللهعليهوسلم : " الحجر الأسود يمين الله في الأرض".
والثاني : قوله صلىاللهعليهوسلم : " قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرّحمن".
والثالث : قوله صلىاللهعليهوسلم : " إنّي لأجد نفس الرّحمن من قبل اليمن".
فانظر الآن كيف أوّل هذا حيث قام البرهان عنده على استحالة ظاهرة ، فيقول : اليمين تقبل في العادة تقربا إلى صاحبها ، والحجر الأسود يقبل أيضا تقرّبا إلى الله تعالى فهو مثل اليمين لا في ذاته ولا في صفات ذاته ، ولكن في عارض من عوارضه فسمي لذلك يمينا. وهذا الوجود هو الذي سميناه الوجود الشبهي وهو أبعد وجوه التأويل ، فانظر كيف اضطر إليه أبعد الناس عن التأويل. وكذلك لما استحال عنده وجود الإصبعين لله تعالى حسّا إذ من فتش عن صدره لم يشاهد فيه إصبعين فتأوله على روح الإصبعين وهي الأصبع العقلية الروحانية. أعني أن روح الأصبع ما به يتيسر تقلب الأشياء. وقلب الإنسان بين لمة الملك ولمة الشيطان ، وبهما يقلب الله تعالى القلوب ، فكنى الإصبعين عنهما. وإنما اقتصر أحمد بن حنبل رضي الله عنه على تأويل هذه الأحاديث الثلاثة لأنه لم تظهر عنده الاستحالة إلا في هذا القدر ، لأنه لم يكن ممعنا في النظر العقلي ولو أمعن لظهر له ذلك في الاختصاص بجهة فوق وغيره مما لم يتأوله ، والأشعري والمعتزلي لزيادة بحثهما تجاوزا إلى تأويل ظواهر كثيرة ، وأقرب الناس إلى الحنابلة في أمور الآخرة الأشعرية وفقهم الله فإنهم قرروا فيها أكثر الظواهر إلا يسيرا ، والمعتزلة أشدّ منهم توغلا