في التأويلات وهم مع هذا. أعني الأشعرية. يضطرون أيضا إلى تأويل أمور كما ذكرناه من قوله : إنه يؤتى بالموت في صورة كبش أملح ، وكما ورد من وزن الأعمال بالميزان ، فإن الأشعري أوّل من وزن الأعمال فقال : توزن صحائف الأعمال ويخلق الله فيها أوزانا بقدر درجات الأعمال ، وهذا ردّ إلى الوجود الشبهي البعيد فإن الصحائف أجسام كتب فيها رقوم تدلّ بالاصطلاح على أعمال هي أغراض ، فليس الموزون إذا العمل بل محل نفش يدل بالاصطلاح على العمل. والمعتزلي تأوّل نفس الميزان وجعله كناية عن سبب به ينكشف لكل واحد مقدار عمله ، وهو أبعد عن التعسف في التأويل بوزن الصحائف ، وليس الغرض تصحيح أحد التأويلين ، بل تعلم أن كل فريق وإن بالغ في ملازمة الظواهر فهو مضطر إلى التأويل إلا أن يجاوز الحدّ في الغباوة والتجاهل ، فيقول : الحجر الأسود يمين تحقيقا ، والموت وإن كان عرضا فيستحيل فينتقل كبشا بطريق الانقلاب ، والأعمال وإن كانت أعراضا ، وقد عدمت فتنتقل إلى الميزان ويكون فيها أعراض هي الثقل ، ومن ينتهي إلى هذا الحد من الجهل فقد انخلع من ربقة العقل.
فصل في التأويل
فاسمع الآن قانون التأويل ، فقد علمت اتفاق الفرق على هذه الدرجات الخمس في التأويل ، وإن شيئا من ذلك من حيّز التكذيب ، واتفقوا أيضا على أن جواز ذلك موقوف على قيام البرهان على استحالة الظاهر ، والظاهر الأوّل هو الوجود الذاتي فإن إذا ثبت تضمن الجمع. فإن تعذّر ، فالوجود الحسّي فإنه إن ثبت تضمن ما بعده. فإن تعذر ، فالوجود الخيالي أو العقلي. وإن تعذر ، فالوجود الشبهي المجازي ولا رخصة للعدول عن درجة إلى ما دونها إلا بضرورة البرهان فيرجع الاختلاف على التحقيق إلى البراهين. إذ يقول الحنبلي : لا برهان على استحالة اختصاص الباري بجهة فوق. ويقول الأشعري : لا برهان على استحالة الرؤية. وكأن كل واحد لا يرضى بما ذكره الخصم ولا يراه دليلا قاطعا. وكيف ما كان فلا ينبغي أن يكفر كل فريق خصمه بأن يراه غالطا في البرهان. نعم يجوز أن يسميه ضالّا أو مبتدعا. أما ضالا فمن حيث إنه ضلّ عن الطريق عنده ، وأما مبتدعا فمن حيث إنه ابتدع قولا لم يعهد من السلف الصالح التصريح به. إذ المشهور فيما بين السلف أن الله تعالى يرى ، فقول القائل : لا يرى بدعة ، وتصريحه بتأويل الرؤية بدعة ، بل إن ظهر عنده أن تلك الرؤية معناها مشاهدة القلب ، فينبغي أن لا يظهره ولا يذكره لأن السلف لم يذكروه ، لكن عند هذا يقول الحنبلي إثبات الفوق لله تعالى مشهور عند السلف ، ولم يذكر أحد منهم أن خالق العالم ليس متّصلا بالعالم ولا منفصلا ولا داخلا ولا خارجا ، وأن الجهات الست خالية عنه وأن نسبة جهة فوق إليه كنسبة جهة تحت ، فهذا قول بدع إذ البدعة عبارة عن إحداث مقالة غير مأثورة عن السلف ، وعند هذا يتّضح لك أن هاهنا مقامين.
أحدهما : مقام عوام الخلق ، والحقّ فيه الاتّباع والكف عن تغيير الظواهر رأسا ، والحذر عن إبداع التصريح بتأويل لم تصرّح به الصحابة وحسم باب السؤال رأسا والزجر عن الخوض في الكلام والبحث ، واتّباع ما تشابه من الكتاب والسنّة ، كما روي عن عمر رضي الله عنه أنه