الأفول على حدوث عنده أظهر من أدلّة التقدير والجسمية.
وأما رؤية الكوكب أوّلا فقد روي أنه كان محبوسا في صباه في غار وإنما خرج بالليل.
وأمّا قوله تعالى أوّلا : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، فيجوز أن يكون الله تعالى قد ذكر حال نهايته ثم رجع إلى ذكر بدايته. فهذه وأمثالها ظنون يظنها براهين من لا يعرف حقيقة البرهان وشرطه. فهذا جنس تأويلهم. وقد تأوّلوا العصا والنعلين في قوله تعالى : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) [طه : ١٢]. وقوله : (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ) [طه : ٦٩]. ولعلّ الظن في مثل هذه الأمور التي لا تتعلق بأصول الاعتقاد تجري مجرى البرهان في أصول الاعتقاد فلا يكفر فيه ولا يبدع. نعم إن كان فتح هذا الباب يؤدي إلى تشويش قلوب العوام فيبدع به خاصة صاحبه في كل ما لم يؤثر عن السلف ذكره ، ويقرب منه قول بعض الباطنة أن عجل السامري مؤول إذ كيف يخلو خلق كثير عن عاقل يعلم أن المتخذ من الذهب لا يكون إلها؟ وهذا أيضا ظن إذ لا يستحيل أن تنتهي طائفة من الناس إليه كعبدة الأصنام ، وكونه نادرا لا يورث يقينا.
وأمّا ما يتعلق من هذا الجنس بأصول العقائد المهمّة فيجب تكفير من يغير الظاهر بغير برهان قاطع ، كالذي ينكر حشر الأجساد وينكر العقوبات الحسيّة في الآخرة بظنون وأوهام واستبعادات من غير برهان قاطع ، فيجب تكفيره قطعيا إذ لا برهان على استحالة ردّ الأرواح إلى الأجساد ، وذكر ذلك عظم الضرر في الدين فيجب تكفير كل من تعلّق به وهو مذهب أكثر الفلاسفة. وكذلك يجب تكفير من قال منهم إن الله تعالى لا يعلم إلا نفسه ، أو لا يعلم إلا الكلمات ، فأمّا الأمور الجزئية المتعلقة بالأشخاص فلا يعلمها لأن ذلك تكذيب للرسولصلىاللهعليهوسلم قطعا ، وليس من قبيل الدرجات التي ذكرناها فو التأويل إذ أدلة القرآن والإجبار على تفهيم حشر الأجساد وتفهيم تعلّق علم الله تعالى بتفصيل كل ما يجري على الأشخاص مجاوز حدا لا يقبل التأويل ، وهم معترفون بأن هذا ليس من التأويل ، ولكن قالوا : لما كان صلاح الخلق في أن يعتقدوا حشر الأجساد لقصور عقولهم عن فهم المعاد العقلي وكان صلاحهم في أن يعتقدوا أن الله تعالى عالم بما يجري عليهم ورقيب عليهم ليورث ذلك رغبة ورهبة في قلوبهم. جاز للرسول عليهالسلام أن يفهمهم ذلك وليس بكاذب من أصلح غيره ، فقال ما فيه صلاحه وإن لم يكن كما قاله ، وهذا القول باطل قطعا لأنه تصريح بالتكذيب ، ثم طلب عذرا في أنه لم يكذب ، ويجب إجلال منصب النبّوة عن هذه الرذيلة ففي الصدق وإصلاح الخلق به مندوحة عن الكذب ، وهذه أول درجات الزندقة ، وهي رتبة بين الاعتزال وبين الزندقة المطلقة ، فإن المعتزلة يقرب منهاجهم من مناهج الفلاسفة إلا في هذا الأمر الواحد وهو أن المعتزلي لا يجوز الكذب على الرسول عليهالسلام بمثل هذا العذر ، بل يؤول الظاهر مهما ظهر له بالبرهان خلافه ، والفلسفي لا يقتصر على مجاوزته للظاهر على ما يقبل التأويل على قرب أو على بعد.
وأمّا الزندقة المطلقة ، فهو أن تنكر أصل المعاد عقليا وحسيّا ، وتنكر الصانع للعالم أصلا ورأسا.
وأمّا إثبات المعاد بنوع عقلي مع نفي الآلام واللذات الحسيّة وإثبات الصانع مع نفي علمه بتفاصيل العلوم فهي زندقة مقيدة بنوع اعتراف بصدق الأنبياء وظاهر ظني. والعلم عند الله. أن هؤلاء هم