الأنوار مستعارة منه ، وإنما الحقيقي نوره فقط وإن الكل من نوره بل هو لا هوية لغيره إلا بالمجاز ، فإذا لا نور إلا هو وسائر الأنوار أنوار من الوجه الذي تليه لا من ذاتها فوجه كل موجه إليه ومولّ شطره (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) [البقرة : ١١٥]. فإذا لا إله إلا هو فإن الإله عبارة عما الوجوه مولية نحوه بالعبادة والتأليه ، أعني وجوه القلوب فإنها الأنوار والأرواح ، بل كما أنه لا إله إلا هو فلا هو إلا هو فإن هو عبارة عما إليه الإشارة ، وكيفما كان فلا إشارة إلا إليه بل كلما أشرت فهو بالحقيقة الإشارة إليه ، وإن كنت لا تعرفه أنت لغفلتك عن حقيقة الحقائق التي ذكرناها ، ولا إشارة إلى نور الشمس بل إلى الشمس ، فكل ما في الوجود فنسبته إليه في ظاهر المثال كنسبة النور إلى الشمس ، فإذا لا إله إلا الله توحيد العوام ولا هو إلا هو توحيد الخواص ، لأن ذلك أعم وهذا أخص وأشمل وأحق وأدق وأدخل بصاحبه في الفردانية المحضة والوحدانية الصرفة ، ومنتهى معراج الخلائق مملكة الفردانية فليس وراء ذلك مرقاة إذ الرقي لا يتصور إلا بكثرة ، فإنه نوع إضافة يستدعي ما منه الارتقاء وما إليه الارتقاء ، وإذا ارتفعت الكثرة حقت الوحدة وبطلت الإضافة وطاحت الإشارة فلم يبق علو ولا سفل ولا نازل ولا مرتفع ، فاستحال الترقي واستحال العروج فليس وراء الأعلى علو ولا مع الوحدة كثرة ولا مع انتفاء الكثرة عروج ، فإن كان ثمة تغيير من حال فبالنزول إلى السماء الدنيا. أعني بالإشراق من علو إلى أسفل لأن الأعلى وإن لم يكن له أعلى فله أسفل.
فهذا غاية الغايات ومنتهى الطلبات يعلمه من يعلمه وينكره من يجهله ، وهو من العلم الذي هو كنهه المكنون الذي لا يعلمه إلا العلماء بالله فإذا نطقوا به لم ينكره إلا أهل الغرة بالله ولا يبعد أن قال العلماء إن النزول إلى السماء الدنيا هو نزول ملك ، فقد توهم بعض العارفين ما هو أبعد منه إذ قال هذا المستغرق بالفردانية له نزول إلى سماء الدنيا وإن ذلك هو نزوله إلى استعمال الحواس أو تحريك الأعضاء ، وإليه الإشارة بقوله عليه الصلاة والسلام : " صرت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به". وإذا كان هو سمعه وبصره ولسانه فهو السامع والباصر والناطق إذا لا غيره ، وإليه الإشارة بقول لموسى صلىاللهعليهوسلم : " مرضت فلم تعدني" الحديث. فحركات هذا الموحد من السماء الدنيا وإحساساته من سماء فوقها وعقله فوق ذلك وهو يترقى من سماء العقل إلى منتهى معراج الخلائق ومملكة الفردانية إلى سبع طبقات ، ثم بعد يستوي على عرش الوحدانية ومنه يدبر الأمر إلى طبقات سماواته فربما نظر الناظر إليه أن ذلك له تأويل كقوله : أنا الحق وسبحاني ، بل كقوله عليه الصلاة السلام : مرضت فلم تعدني وكنت سمعه وبصره ولسانه ، فأرى الآن إمساك عنان البيان فما أراك تطيق من هذا الفن أكثر من هذا المقدار.
مساعدة : لعلك لا تسمو إلى هذا الكلام بهمتك ، بل تقصر دون ذروته همتك فخذ إليك كلاما أقرب إلى فهمك وأقرب لضعفك ، واعلم أن معنى كونه نور السماوات والأرض تعرفه بالنسبة إلى النور الظاهري البصري ، فإذا رأيت ألوان الربيع وخضرتها مثلا في ضياء النهار