لمعرفة هذا فليهجر هذا النمط من العلم فلكل علم رجال وكل ميسر لما خلق له.
الفصل الثاني
في بيان مثال المشكاة والمصباح والزجاجة والشجرة
والزيت والنار
وبيان ذلك : يستدعي تقديم قطبين يتسع المجال فيهما إلى غير حد محدود ، ولكني أشير إليهما بالرمز والاختصار.
أحدهما : في بيان سر التمثيل ومنهاجه ووجه ضبط أرواح المعاني بقوالب الأمثلة ، ووجه كيفية المناسبة بينهما وكنه الموازنة بين عالم الشهادة التي منها يتخذ طينة الأمثال ، وبين عالم الملكوت الذي منه تنزل أرواح المعاني.
والقطب الثاني : في طبقات أرواح الطينة البشرية ومراتب أنوارها ، فإن هذا المثال مسوق لبيان ذلك ، وقد قرأ ابن مسعود مثل نوره في قلب المؤمن كمشكاة فيها [النور : ٣٥]. وقرأ أبي بن كعب" مثل نور قلب من آمن كمشكاة فيها".
القطب الأول في بيان سر التمثيل ومناهجه
اعلم أن العالم عالمان روحاني وجسماني ، وإن شئت قلت حسي وعقلي ، وإن شئت قلت علوي وسفلي والكل متقارب ، وإنما يختلف باختلاف العبارات ، فإذا اعتبرتهما في أنفسهما قلت : جسماني وروحاني ، وإذا اعتبرتهما بالإضافة إلى العين المدركة لهما قلت : حسي وعقلي ، وإن اعتبرتهما بإضافة أحدهما إلى الآخر قلت علوي وسفلي ، وربما سميت أحدهما عالم الملك والشهادة ، والآخر عالم الغيب والملكوت ومن ينظر إلى الحقائق من الألفاظ ربما يتحير من كثرتها ويتخيل كثرة المعاني والذي تنكشف له الحقائق يجعل المعاني أصلا والألفاظ تابعة وأمر الضعيف بالعكس منه إذ يطلب الحقائق من الألفاظ وإلى الفريقين الإشارة بقوله تعالى : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الملك : ٢٢]. وإذا قد عرفت معنى العاملين ، فاعلم أن العالم الملكوتي العلوي عالم غيب إذ هو غائب عن الأكثر ، والعالم الحسي عالم الشهادة إذ يشهده الكافة ، والعالم الحسي مرقاة إلى العالم العقلي ، ولو لم يكن بينهما اتصال ومناسبة لا نسدّ طريق الترقي إليه ، ولو تعذر ذلك لتعذّر السفر إلى الحضرة الربوبية والقرب من الله فلن يقرب من الله أحد ما لم يطأ بحبوحة حظيرة القدس ، والعالم المرتفع عن إدراك الحس والخيال هو الذي نعنيه بعالم القدس ، وإذا اعتبرت جملته بحيث لا يخرج منه شيء ولا يدخل فيه ما هو غريب منه سميناه حظيرة القدس ، وربما سمينا الروح البشري الذي هو مجرى لوائح القدس الوادي المقدس. ثم هذه