الحظيرة فيها حظائر بعضها أشد إمعانا في معاني القدس ، ولكن لفظ الحظيرة محيط بجميع طبقاتها ، فلا تظنن أن هذه الألفاظ طامات غير معقولات عند أرباب البصائر.
واشتغالي الآن بشرح كل لفظ مع ذكره يصدني عن المقصد ، فعليك بالتشمير لفهم الألفاظ فأرجع إلى الغرض فأقول : لما كان عالم الشهادة مرقى إلى عالم الملكوت كان سلوك الصراط المستقيم عبارة عن هذا الترقي وقد يعبر عنه بالدين ، وبمنازل الهدى فلو لم يكن بينهما مناسبة واتصال لما تصور الترقي من أحدهما إلى الآخر ، فجعلت الرحمة الإلهية عالم الشهادة على موازنة عالم الملكوت ، فما من شيء في هذا العالم إلا وهو مثال لشيء من ذلك العالم ، وربما كان الشيء الواحد مثالا لأشياء من عالم الملكوت. وربما كان للشيء الواحد من الملكوت ، أمثلة كثيرة من عالم الشهادة ، وإنما يكون مثالا إذا ماثلة نوعا من المماثلة. وطابقه نوعا من المطابقة ، وإحصاء تلك الأمثلة يستدعي استقصاء جميع موجودات العالمين بأسرها ، ولن تفي به القدرة البشرية ، ولم تتسع لفهمه القوة البشرية ، ولا تفي لشرحه الأعمار القصيرة ، فغايتي أن أعرفك منها أنموذجا لتستدل باليسير منها على الكثير وينفتح لك باب الاستبصار بهذا النمط من الأسرار. فأقول : إن كان من عالم الملكوت جواهر نورانية شريفة عالية يعبر عنها با ملائكة منها تفيض الأنوار على الأرواح البشرية ولأجلها قد تسمى أربابا فيكون الله رب الأرباب لذلك ، ويكون لها مراتب في نورانيتها متفاوتة ، فالبحري أن يكون مثالها من عالم الشهادة الشمس والقمر والكواكب ، وسالك الطريق يترقى أولا إلى ما درجته درجة الكوكب فيتضح له إشراق نوره ، وينكشف له أن العالم الأسفل بأسره تحت سلطانه وتحت اشراق نوره ، ويتضح له من جماله وعلو درجته ما ينادي فيقول : هذا ربي ، ثم إذا اتضح له ما فوقه مما رتبته رتبة القمر رأى أفول الأول في مضرب الهوى أي بالإضافة إلى ما فوقه أفولا ، فقال : لا أحب الآفلين ، فكذلك يترقى حتى ينتهي إلى ما مثاله الشمس فيراه أكبر وأعلى قابلا للمثال بنوع مناسبة له معه ، والمناسبة مع ذي النقص نقص؟ وأقول أيضا فمنه من يقول : (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٧٩]. ومعنى الذي إشارة مبهمة مناسبة لها إذ لو قال قائل ما مثال مفهوم الذي لم يتصور أن يجاب عنه فالمنزه عن كل مناسبة هو الله الحق ، ولذلك لما قال بعض الأعراب لرسول الله ما نسبة الله نزل في جوابه : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ* اللهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص : ١. ٤]. معناه التقدس عن النسبة ، ولذلك لما قال فرعون لموسى : وما رب العالمين؟ كالطالب لماهيته لم يجبه إلا بأفعاله إذا كانت الأفعال أظهر عند السائل ، فقال : رب السماوات والأرض. فقال فرعون لمن حوله : ألا تسمعون كالمنكر عليه في عدوله في جوابه عن طلب الحقيقة ، فقال موسى : (رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) [الصافات : ١٢٦]. فنسبه فرعون إلى الجنون إذ كان مطلبه المثال والماهية وهو يجيب عن الأفعال بالأفعال ، وقال فرعون : إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ، ولنرجع الآن إلى الأنموذج فنقول: عالم التعبير