حيوانا كالإنسان. فالجسم صنم فإن يقدر حسنة وجماله أو عظمه أو صغره أو صلابته وبقاؤه لا يخرج عن كونه صنما ، ومن نفى الجسمية عنه وعن يده وإصبعه فقد نفى العضوية واللحم والعصب وقدس الرب جل جلاله عما يوجب الحدوث ، وليعتقد بعده أنه عبارة عن معنى من المعاني ليس بجسم ولا عرض في جسم يليق ذلك المعنى بالله تعالى ، فإن كان لا يدري ذلك المعنى ولا يفهم كنه حقيقته فليس عليه في ذلك تكليف أصلا ، فمعرفة تأويله ومعناه ليس بواجب عليه بل واجب عليه أن لا يخوض فيه كما سيأتي.
مثال آخر : إذا سمع الصورة في قوله صلىاللهعليهوسلم : " إنّ الله خلق آدم على صورته" ، " وإنّي رأيت ربّي في أحسن صورة" فينبغي أن يعلم أن الصورة اسم مشترك قد يطلق ويراد به الهيئة الحاصلة في أجسام مؤلفة مرتبة ترتيبا مخصوصا مثل الأنف والعين والفم والخد التي هي أجسام وهي لحوم وعظام ، وقد يطلق ويراد به ما ليس بجسم ولا هيئة في جسم ولا هو ترتيب في أجسام. كقولك عرف صورته وما يجري مجراه ، فليتحقق كل مؤمن أن الصورة في حق الله لم تطلق لإرادة المعنى الأول الذي هو جسم لحمي وعظمي مركب من أنف وفم وخد ، فإن جميع ذلك أجسام وهيئات في أجسام ، وخالق الأجسام والهيئات كلها منزه عن مشابهتها وصفاتها ، وإذا علم هذا يقينا فهو مؤمن فإن خطر له أنه إن لم يرد هذا المعنى فما الذي أراده فينبغي أن يعلم أن ذلك لم يؤمر به بل أمر بأن لا يخوض فيه فإنه ليس على قدر طاقته ، لكن ينبغي أن يعتقد أنه أريد به معنى يليق بجلال الله وعظمته بما ليس بجسم ولا عرض في جسم.
مثال آخر : إذا قرع سمعه النزول في قوله صلىاللهعليهوسلم : " ينزل الله تعالى في كلّ ليلة إلى السّماء الدّنيا". فالواجب عليه أن يعلم أن النزول اسم مشترك قد يطلق إطلاقا يفتقر فيه إلى ثلاثة أجسام : جسم عال هو مكان لساكنه ، وجسم سافل كذلك ، وجسم منتقل من السافل إلى العالي ومن العالي إلى السافل ، فإن كان من أسفل إلى علو سمي صعودا وعروجا ورقيا ، وإن كان من علو إلى أسفل سمي نزولا وهبوطا ، وقد يطلق على معنى آخر ولا يفتقر فيه إلى تقدير انتقال وحركة في جسم ، كما قال الله تعالى : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) [الزمر : ٦]. وما رئي البعير والبقر نازلا من السماء بالانتقال بل هي مخلوقة في الأرحام ولإنزالها معنى لا محالة ، كما قال الشافعي رضي الله عنه : دخلت مصر فلم يقيموا كلامي ، فنزلت ثم نزلت ثم نزلت فلم يرد به انتقال جسده إلى أسفل فتحقق المؤمن قطعا أن النزول في حق الله تعالى ليس بالمعنى الأول وهو انتقال شخص وجسد من علو إلى أسفل ، فإن الشخص والجسد أجسام والرب جل جلاله ليس بجسم فإن خطر له أنه لم يرد هذا فما الذي أراد فيقال له : أنت إذا عجزت عن فهم نزول البعير من السماء فأنت عن فهم نزول الله تعالى أعجز ، فليس هذا بعشك فادرجي ، واشتغل بعبادتك أو حرفتك واسكت ، واعلم أنه أريد به معنى من المعاني التي يجوز أن يراد بالنزول في لغة العرب. ويليق ذلك المعنى بجلال الله تعالى وعظمته وإن كنت لا تعلم حقيقته وكيفيته.
ومثال آخر : إذا سمع لفظ الفوق في قوله تعالى : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) [الأنعام : ١٨].