في مسألة القدر وسألوا عنه ، فقال صلىاللهعليهوسلم : " فبهذا أمرتم" وقال : " إنّما هلك من كان قبلكم بكثرة السّؤال" أو لفظ هذا معناه كما اشتهر في الخبر. ولهذا أقول يحرم على الوعاظ على رءوس المنابر الجواب عن هذه الأسئلة بالخوض في التأويل والتفصيل ، بل الواجب عليهم الاقتصار على ما ذكرناه وذكره السلف ، وهو المبالغة في التقديس ونفي التشبيه وأنه تعالى منزه عن الجسمية وعوارضها وله المبالغة في هذا بما أراد حتى يقول : كل ما خطر ببالكم وهجس في ضميركم وتصور في خاطركم فإنه تعالى خالقها وهو منزه عنها وعن مشابهتها وأن ليس المراد بالأخبار شيئا من ذلك ، وأما حقيقة المراد فلستم من أهل معرفتها والسؤال عنها ، فاشتغلوا بالتقوى فما أمركم الله تعالى به فافعلوه وما نهاكم عنه فاجتنبوه وهذا قد نهيتم عنه فلا تسألوا عنه ومهما سمعتم شيئا من ذلك فاسكتوا وقولوا : آمنا وصدقنا وما أوتينا من العلم إلا قليلا ، وليس هذا من جملة ما أوتيناه.
الوظيفة الخامسة : الإمساك عن التصرف في ألفاظ واردة يجب على عموم الخلق الجمود على ألفاظ هذه الأخبار والإمساك عن التصرف فيها من ستة أوجه : التفسير ، والتأويل ، والتصرف ، والتفريع ، والجمع ، والتفريق.
الأول : التفسير وأعني به تبديل اللفظ بلغة أخرى يقوم مقامها في العربية أو معناها بالفارسية أو التركية ، بل لا يجوز النطق إلا باللفظ الوارد لأن من الألفاظ العربية ما لا يوجد لها فارسية تطابقها. ومنها ما يوجد لها فارسية تطابقها لكن ما جرت عادة الفرس باستعارتها للمعاني التي جرت عادة العرب باستعارتها منها. ومنها ما يكون مشتركا في العربية ولا يكون في العجمية كذلك.
أما الأول : مثاله لفظ الاستواء فإنه ليس له في الفارسية لفظ مطابق يؤدي بين الفرس من المعنى الذي يؤديه لفظ الاستواء بين العرب بحيث لا يشتمل على مزيد إيهام إذ فارسيته أن يقال راستا باستان وهذان لفظان : الأول : ينبئ عن انتصاب واستقامة فيما يتصور أن ينحني ويعوج.
والثاني : ينبئ عن سكون وثابت فيما يتصور أن يتحرك ويضطرب وإشعاره بهذه المعاني وإشارته إليها في العجمية أظهر من إشعار لفظ الاستواء وإشارته إليها ، فإذا تفاوت في الدلالة والإشعار لم يكن هذا مثل الأول وإنما تجوز تبديل اللفظ بمثله المرادف له الذي لا يخالفه بوجه من الوجوه لا بما يباينه أو يخالفه ولو بأدنى شيء وأدقه وأخفاه.
ومثال الثاني : أن الإصبع يستعار في لسان العرب للنعمة يقال لفلان عندي إصبع أي نعمة ومعناها بالفارسية انكشفت وما جرت عادة العجم بهذه الاستعارة ، وتوسع العرب في التجوز والاستعارة أكثر من توسع العجم بل لا نسبة لتوسع العرب إلى جمود العجم ، فإذا أحسن إرادة المعنى المستعار له في العرب وسمج ذلك في العجم نفر القلب عما سمج ومجه السمع ولم يمل إليه ، فإذا تفاوتا لم يكن التفسير تبديلا بالمثل بل بالخلاف ولا يجوز التبديل إلا بالمثل.
مثال الثالث : العين فإن من فسره بأظهر معانيه ، فيقول هو جسم وهو مشترك في لغة العرب بين