ذاته ، ولكنه محال لغيره وهو إفضاؤه إلى أن ينقلب العلم الأولي جهلا ويمنع نفوذ المشيئة الأزلية ، فإذا إثبات هذه النسبة لله تعالى مع العرش في تدبير المملكة بواسطته إن كان جائزا عقلا ، فهل واقع وجودا؟ هذا مما قد يتردد فيه الناظر وربما يظن وجوده هذا مثال الظن في نفس المعنى ، والأول مثال الظن في كون المعنى مرادا باللفظ مع كون المعنى في نفسه صحيحا جائزا وبينهما فرقان ، لكن كل واحد من الظنين إذا انقدح في النفس وحاك في الصدر فلا يدخل تحت الاختيار دفعة عن النفس ولا يمكنه أن يظن ، فإن للظن أسبابا ضرورية لا يمكن دفعها ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، لكن عليه وظيفتان :
إحداهما : أن لا يدع نفسه تطمئن إليه جزما من غير شعور بإمكان الغلط فيه ، ولا ينبغي أن يحكم من نفسه بموجب ظنه حكما جازما.
والثانية : أنه إن ذكره لم يطلق القول بأن المراد بأن بالاستواء كذا ، أو المراد بالفوق كذا ، لأنه حكم بما لا يعلم ، وقد قال الله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) [الإسراء : ٣٦]. لكن يقول : أنا أظن أنه كذا فيكون صادقا في خبره عن نفسه وعن ضميره ، ولا يكون حكما على صفة الله ولا على مراده بكلامه ، بل حكما على نفسه ونبأ عن ضميره ، فإن قيل : وهل يجوز ذكر هذا الظن مع كافة الخلق والتحدث به كما اشتمل ضميره ، وكذلك لو كان قاطعا ، فهل له أن يتحدث به؟ قلنا : تحدثه به إنما يكون على أربعة أوجه : فإما أن يكون مع نفسه أو مع من هو مثله في الاستبصار أو مع من هو مستعد للاستبصار بذكائه وفطنته وتجرده لطلب معرفة الله تعالى ، أو مع العامي فإن كان قاطعا فله أن يحدث نفسه به ويحدث من هو مثله في الاستبصار أو من هو متجرد لطلب المعرفة مستعد له خال عن الميل إلى الدنيا والشهوات والتعصبات للمذاهب وطلب المباهاة بالمعارف والتظاهر بذكرها مع العوام. فمن اتصف بهذه الصفات فلا بأس بالتحدث معه لأن الفطن المتعطش إلى المعرفة للمعرفة لا لغرض آخر يحيك في صدره أشكال الظواهر وربما يلقيه في تأويلات فاسدة لشدة شرهه على الفرار عن مقتضى الظواهر ومنع العلم أهله. علم. كبثه إلى غير أهله ، وأما العامي فلا ينبغي أن يحدث به وفي معنى العامي كل من لا يتصف بالصفات المذكورة ، بل مثاله ما ذكرناه من إطعام الرضيع الأطعمة القوية التي لا يطيقها. وأما المظنون فتحدثه مع نفسه اضطرار فإن ما ينطوي عليه الذهن من ظن وشك وقطع لا زالت النفس تتحدث به ولا قدرة على الخلاص منه ، فلا منع منه ولا شك في منع التحدث به مع العوام ، بل هو أولى بالمنع من المقطوع. أما تحدثه مع من هو في مثل درجته في المعرفة أو مع المستعد له ففيه نظر ، فيحتمل أن يقال هو جائز ولا يزيد على أن يقول أظن كذا وهو صادق ، ويحتمل المنع لأنه قادر على تركه وهو بذكره متصرف بالظن في صفة الله تعالى أو في مراده من كلامه وفيه خطر ، وإباحته تعرف بنص أو إجماع أو قياس على منصوص ولم يرد شيء من ذلك بل ورد قوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ