ولا يوغل غاية الإيغال في البحث ، وأدلة هذه الأمور الأربعة ما ذكر في القرآن.
أما الدليل على معرفة الخالق فمثل قوله تعالى : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ) [يونس : ٣١]. وقوله : (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ* وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ* تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ* وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ* وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ) [ق : ٦ ـ ١٠]. وكقوله : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ* أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا* ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا* فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا* وَعِنَباً وَقَضْباً* وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً* وَحَدائِقَ غُلْباً* وَفاكِهَةً وَأَبًّا) [عبس : ٢٤. ٣١]. وقوله : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً* وَالْجِبالَ أَوْتاداً). إلى قوله : (وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً) [النبأ : ٦. ١٦]. وأمثال ذلك هي قريب من خمسمائة آية جمعناها في كتاب جواهر القرآن بها ينبغي أن يعرف الخلق جلال الله الخالق وعظمته لا بقول المتكلمين إن الأعراض حادثة ، وإن الجواهر لا تخلو عن الأعراض الحادثة ثم الحارث يفتقر إلى محدث ، فإن تلك التقسيمات والمقدمات وإثباتها بأدلتها الرسمية يشوش قلوب العوام ، والدلالات الظاهرة القريبة من الأفهام على ما في القرآن تنفعهم وتسكن نفوسهم وتغرس في قلوبهم الاعتقادات الجازمة.
وأما الدليل على الوحدانية فيقنع فيه بما في القرآن من قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢]. فإن اجتماع المدبرين سبب إفساد التدبير ، وبمثل قوله : (لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً) [الإسراء : ٤٢]. وقوله تعالى : (مَا اتَّخَذَ اللهُمِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) [المؤمنون : ٩١]. وأما صدق الرسول فيستدل عليه بقوله تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) [الإسراء : ٨٨]. وبقوله : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) [البقرة : ٢٣]. وقوله : (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ) [هود : ١٣]. وأمثاله ، وأما اليوم الآخر : فيستدل عليه بقوله تعالى : (قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ* قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) [يس : ٧٨ و ٧٩]. وبقوله : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً* أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى). إلى قوله : (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) [القيامة : ٣٦ و ٤٠]. وبقوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ). إلى قوله : (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى) [الحج : ٥]. وأمثال ذلك كثير في القرآن ، فلا ينبغي أن يزاد عليه.
فإن قيل : فهذه الأدلة التي اعتمدها المتكلمون وقرروا وجه دلالتها ، فما بالهم يمتنعون عن تقرير هذه الأدلة ولا يمتنعون عنها ، وكل ذلك مدرك بنظر العقل وتأمله فإن فتح للعامي باب