عليه التصديق والإيمان بما قاله الرسول صلىاللهعليهوسلم بالمعنى الذي أراده أو في قولنا الثالث إنه يجب عليه الاعتراف بالعجز عن درك حقيقة تلك المعاني ، أو في قولنا الرابع إنه يجب عليه السكوت عن السؤال والخوض فيهما وراء طاقته ، أو في قولنا الخامس إنه يجب عليه إمساك اللسان عن تغيير الظواهر بالزيادة والنقصان والجمع والتفريق ، أو في قولنا السادس إنه يجب عليه كف القلب عن التذكير فيه والفكر مع عجزه عنه ، وقد قيل لهم تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق ، أو في قولنا السابع إنه يجب عليه التسليم لأهل المعرفة من الأنبياء والأولياء والعلماء الراسخين فهذه أمور بيانها برهانها ولا يقدر أحد على جحدها وإنكارها إن كان من أهل التمييز فضلا عن العلماء والعقلاء. فهذه هي البراهين العقلية.
النمط الثاني : البرهان السمعي على ذلك ، وطريقه أن نقول : الدليل على أن الحق مذهب السلف أن نقيضه بدعة والبدعة مذمومة وضلالة ، والخوض من جهة العوام في التأويل ، والخوض بهم فيه من جهة العلماء بدعة مذمومة ، وكان نقيضه وهو الكف عن ذلك سنة محمودة فها هنا ثلاثة أصول :
أحدها : أن البحث والتفتيش والسؤال عن هذه الأمور بدعة.
والثاني : أن كل بدعة فهي مذمومة.
والثالث : أن البدعة إذا كانت مذمومة كان نقيضها ، وهي السنة القديمة محمودة ولا يمكن النزاع في شيء من هذه الأصول ، فإذا سلم ذلك ينتج أن الحق مذهب السلف.
فإن قيل : فبم تنكرون على من يمنع كون البدعة مذمومة أو يمنع كون البحث والتفتيش بدعة فينازع في هذين وإن لم ينازع في الثالث لظهوره؟ فنقول : الدليل على إثبات الأصل الأول من كون البدعة مذمومة اتفاق الأمة قاطبة على ذم البدعة وزجر المبتدع وتغيير من يعرف بالبدعة ، وهذا مفهوم على الضرورة من الشرع وذلك غير واقع في محل الظن ، فذم رسول الله صلىاللهعليهوسلم البدعة علم بالتواتر بمجموع أخبار يفيد العلم القطعي جملتها ، وإن كان الاحتمال يتطرق إلى آحادها ، وذلك كعلمنا بشجاعة علي رضي الله عنه ، وسخاوة حاتم ، وحب رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعائشة رضي الله عنها وما يجري مجراه ، فإن علم قطعا بأخبار آحاد بلغت في الكثرة مبلغا لا يحتمل كذب ناقليها ، وإن لم تكن آحاد تلك الأخبار متواترة ، وذلك مثل ما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : " عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين من بعدي عضّوا عليها بالنّواجذ وإيّاكم ومحدثات الأمور فإنّ كلّ محدثة بدعة وكلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة في النّار" وقال صلىاللهعليهوسلم : " اتّبعوا ولا تبتدعوا وإنّما هلك من كان قبلكم لمّا ابتدعوا في دينهم وتركوا سنن أنبيائهم وقالوا بآرائهم فضلّوا وأضلّوا" وقال صلىاللهعليهوسلم : " إذا مات صاحب بدعة فقد فتح على الإسلام فتح". وقال صلىاللهعليهوسلم : " من مشى إلى صاحب بدعة ليوقره فقد أعان على هدم الإسلام". وقال صلىاللهعليهوسلم : " من أعرض عن صاحب بدعة بغضا له في الله ملأ الله قلبه أمنا وإيمانا ، ومن انتهر