[المجادلة : ١٤]. (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) [الأعراف : ١٣٦]. والغضب عبارة عن نوع تغير في الغضبان يتأذى به ونتيجته الهلاك للمغضوب عليه وإيلامه فعبر عن نتيجة الغضب بالغضب ، وعن نتيجة الانتقام بالانتقام ، وكذلك عبر عما ينتج نتيجة النفخ بالنفخ وإن لم يكن على صورة النفخ.
فقيل له : فما السبب الذي اشتعل به نور الروح في فتيلة النطفة.
قال : هو صفة في الفاعل وصفة في المحل القابل. أما صفة الفاعل فالجود الإلهي الذي هو ينبوع للوجود على ماله قبول الوجود فهو فياض بذاته على كل حقيقة أوجدها ، ويعبر عن تلك الصفة بالقدرة ومثالها فيضان نور الشمس على كل قابل للاستنارة عند ارتفاع الحجاب بينهما ، فالقابل للاستنارة وهي الملونات دون الهواء الذي لا لون له وأما صفة القابل فالاستواء والاعتدال الحاصل بالتسوية ، كما قال : سويته ، ومثاله صقالة الحديد ، فإن المرآة التي ستر الصدأ وجهها لا تقبل الصورة وإن كانت محاذية فلوحاتها الصورة واشتعل الثقيل بتصقيلها فكلما حصل الصقال حدثت فيها الصورة المحاذية من ذي الصور المحاذية ، فكذلك إذا حصل الاستواء في النطفة حدث فيها الروح من خالق الروح من غير تغير في الخالق ، بل إنما حدث الروح الآن لا قبله لتغير المحل بحصول الاستواء الآن لا قبله ، كما أن الصور فاضت من ذي الصورة على المرآة في حكم الوهم من غير حدث في الصورة ، ولكن كان لا يحصل من قبل لا لأن الصورة ليست مهيأة لأن تطبع في المرآة ، لكن لأن المرآة لم تكن صقلية قابلة للصور.
فقيل له : فما الفيض؟
فقال : لا ينبغي أن تفهم من الفيض هنا ما تفهم من فيضان الماء من الإناء على اليد ، فإن ذلك عبارة عن انفصال جزء من الماء عن الإناء واتصاله باليد ، بل افهم منه ما تفهمه من فيضان نور الشمس على الحائط ، ولقد غلط قوم في نور الشمس أيضا ، فظنوا أنه ينفصل شعاع من جرم الشمس ويتصل بالحائط وينبسط عليه وهو خطأ ، بل نور الشمس سبب لحدوث شيء يناسبه في النورية وإن كان أضعف منه في الحائط المتلون كفيضان الصور على المرآة من ذي الصورة ، فإنه لي لله س بمعنى انفصال جزء من صورة الإنسان واتصاله بالمرآة بل على معنى أن صورة الإنسان مثلا سبب لحدوث صورة تماثلها في المرآة المقابلة للصوره وليس فيهما اتصال وانفصال إلا السببية المجردة ، وكذلك الوجود الإلهي سبب لحدوث نور الوجود في كل ماهية قابلة وجود فيعبر عنه بالفيض.
فصل
قيل له : قد ذكرت التسوية والنفخ ، فما الروح وما حقيقته ، وهل هو حالّ في البدن حلول الماء في الإناء ، أو حلول العرض في الجوهر ، أم هو جوهر ، قائم بنفسه؟ فإن كان جوهرا قائما بنفسه فمتحيز هو أم غير متحيز؟ وإن كان متحيزا فما مكانه أهو القلب أو الدماغ أو موضع آخر؟ وإن لم يكن متحيزا فكيف يكون جوهرا غير متحيز؟