فقال : هذا سؤال عن سر الروح الذي لم يؤذن لرسول الله صلىاللهعليهوسلم في كشفه لمن ليس أهلا له ، فإن كنت من أهله فاسمع واعلم أن الروح ليس بجسم يحل البدن حلول الماء في إناء ، ولا هو عرض يحل القلب والدماغ حلول السواد في الأسود ، والعلم في العالم ، بل هو جوهر وليس بعرض لأنه يعرف نفسه وخالقه ويدرك المعقولات ، وهذه علوم والعلوم أعارض ولو كان موضوعا والعلم قائم به ، لكان قيام العرض بالعرض ، وهذا خلاف المعقول ولأن العرض الواحد لا يفيد إلا واحدا فما قام به والروح يفيد حكمين متغايرين ، فإنه حين ما يعرف خالقه يعرف نفسه ، فدل على أن الروح ليس بعرض والعرض لا يتصف بهذه الصفات ولا هو جسم ، لأن الجسم قابل للقسمة والروح لا ينقسم ، لأنه لو انقسم لجاز أن يقوم بجزء منه علم بالشيء الواحد وبالجزء الآخر منه جهل بذلك الشيء الواحد بعينه فيكون في حالة واحدة عالما بالشيء جاهلا به فيتناقص لأنه في محل واحد وإلا فالسواد والبياض في جزءين من العين غير متناقض ، والعلم والجهل بشيء واحد في شخص واحد محال وفي شخصين غير محال ، فدل على أنه واحد وهو باتفاق العقلاء جزء لا يتجزأ أي شيء لا ينقسم إذ لفظ جزء لائق به ، لأن الجزء إضافة إلى الكل ولا كل هنا. فلا جزء إلا أن يراد به ما يريد القائل بقوله الواحد جزء من العشرة ، فإنك إذا أخذت جميع الأجزاء التي بها قوام العشرة في كونها عشرة كان الواحد من جملتها وكذلك إذا أخذت جميع الموجودات أو جميع ما به قوام الإنسان في كونه إنسانا كان الروح واحدا من جملتها ، فإذا فهمت أنه شيء لا ينقسم فلا يخلو إما أن يكون متحيزا أو غير متحيز ، وباطل أن يكون متحيزا إذ كل متحيز منقسم ، الجزء الذي لا يتجزأ باطل أن يكون منقسما بأدلة هندسية وعقلية أقربها أنه لو فرض جوهر بين جوهرين لكان كل واحد من الطرفين يلقى من الوسط غير ما يلقى الآخر ، فيجوز أن يقوم بالوجه الذي يلقاه هذا الطرف علم وبالوجه الآخر جهل ، فيكون عالما جاهلا في حالة واحدة بشيء واحد ، وكيف لا ولو فرض بسيط مسطح من أجزاء لا تتجزأ لكان الوجه الذي يحاذينا ونراه غير الوجه الآخر الذي لا نراه ، فإن الواحد لا يكون مرئيا وغير مرئي في حالة واحدة ، ولكانت الشمس إذا حاذت أحد وجهيه استنار بها ذلك الوجه دون الوجه الآخر ، فإذا ثبت أنه لا ينقسم وأنه لا يتجزأ ثبت أنه قائم بنفسه وغير متحيز أصلا.
فصل
قيل له : وما حقيقة ، وما صفة هذا الجوهر ، وما وجه تعلقه بالبدن؟ أهو داخل فيه أو خارج عنه أو متصل به أو منفصل عنه؟
قال رضي الله عنه : لا هو داخل ولا هو خارج ولا هو منفصل ولا متصل ، لأن مصحح الاتصاف بالاتصال والانفصال الجسمية والتحيز قد انتفيا عنه فانفك عن الضدين ، كما أن الجماد لا هو عالم وهو جاهل لأن مصحح العلم والجهل الحياة ، فإذا انتفت انتفى الضدان.