مقدر بكمية ولا مساحة ، فإنه لا ينقسم ولا يتحيز ونقول أنه مخلوق ، لكنه بمعنى أنه حادث وليس بقديم. وبرهان حدوثه طويل ومقدماته كثيرة ، ولكن الحق أن الروح البشرية حدثت عند استعداد النطفة للقبول كما حدثت الصور في المرآة بحدوث الصقالة ، وإن كانت الصور سابقة الوجود على الصقالة وإيجاد هذا البرهان أنه إن كانت الأرواح موجودة قبل الأبدان لكانت إما كثيرة أو واحد وباطل وحدتها وكثرتها فباطل وجودها ، وإنما استحال وحدتها بعد التعلق بالأبدان لعلمنا ضرورة بأن ما يعلمه زيد يجوز أن يجهله عمرو ، ولو كان الجوهر العاقل منهما واحدا لاستحال اجتماع المتضادين فيه ، كما يستحيل في زيد وحده ، ونعني بالجوهر العاقل الروح ومحال كثرتها لأن الواحد محال أن لا يثنى ولا ينقسم إذا كان ذا مقدار كالأجسام ، فالجسم ينقسم فإنه ذو مقدار وذو بعض فيتبعض ، أما ما ليس له بعض ولا مقدار فكيف ينقسم وأما تقدير كثرتها قبل التعلق بالبدن فمحال لأنها إما أن تكون متماثلة أو مختلفة ، وكل ذلك محال ، وإنما استحال التماثل لأن وجود المثلين محال في الأصل ، ولهذا يستحيل وجود سوادين في محل ، وجسمين في مكان واحد لأن الاثنين يستدعي مغايرة ولا مغايرة هنا وسوادان في محلين جائز لأن هذا يفارق ذلك في المحل إذا اختص بمحل لا يختص به الآخر ، وكذلك يجوز محل واحد في زمانين إذ لهذا وصف ليس للآخر وهو الاقتران بهذا الزمان الخاص ، فليس في الوجود مثلان مطلقا ، بل بالإضافة كقولنا : زيد وعمرو هما مثلان في الإنسانية والجسمية ، وسواد الحبر والغراب مثلان في السوادية ، ومحال تغايرهما لأن التغاير نوعان : أحدهما باختلاف النوع والماهية كتغاير الماء والنار وتغاير السواد والبياض ، والثاني بالعوارض التي لا تدخل في الماهية كتعابير الماء الحار والماء البارد ، فإن كان تغاير الأرواح البشرية بالنوع والماهية فمحال لأن الأرواح البشرية متفقة بالحد والحقيقة وهي نوع واحد ، وإن كانت متغايرة بالعوارض فمحال أيضا لأن الحقيقة الواحدة إنما يتغاير عوارضها إذا كانت متعلقة بالأجسام منسوبة إليها بنوع ما إذ الاختلاف في أجزاء الجسم ضرورة ولو في القرب من السماء والبعد عنها مثلا ، أما إذا لم يكن كذلك كان الاختلاف محالا وهذا ربما يحتاجون في تحقيقه إلى مزيد تقدير لكن هذا القدر ينبه عليه.
فقيل له : كيف يكون حال الأرواح بعد مفارقة الأجسام ولا تعلق لها بالأجسام فكيف تكثرت وتغيرت؟
فقال : لأنها اكتسبت بعد التعلق بالأبدان أوصافا مختلفة من العلم والجهل والصفاء والكدورة وحسن الأخلاق وقبحها ، فبقيت منها متغايرة فعقلت كثرتها بخلاف ما قبل الأجساد فإنه لا سبب لتغايرها.
فصل
فقيل له : ما معنى قوله عليهالسلام : "إن الله تعالى خلق آدم على صورته" وروي "على صورة الرحمن"؟