فقال : الصور اسم مشترك قد يطلق على ترتيب الأشكال ووضع بعضها ما بعض واختلاف تركيبها ، وهي الصورة المحسوسة ، وقد يطلق على ترتيب المعاني التي ليست محسوسة ، بل للمعاني ترتيب أيضا وتركيب وتناسب ، ويسمى ذلك صورة ، فيقال : صورة المسألة كذا وكذا ، وصورة الواقعة وصورة المسألة الحسابية والعقلية كذا ، والمراد بالتسوية في هذه الصورة هي الصورة المعنوية ، والإشارة به إلى المضاهاة التي ذكرناها ويرجعه ذلك إلى الذات والصفات والأفعال ، فحقيقة ذات الروح أنه قائم بنفسه ليس بعرض ولا بجسم ولا جوهر متحيز ولا يحل المكان والجهة ولا هو متصل بالبدن والعالم ، ولا هو منفصل ، ولا هو داخل في أجسام العالم والبدن ، ولا هو خارج ، وهذا كله في حقيقة ذات الله تعالى ، وأما الصفات فقد خلق حيا عالما قادرا مريدا سميعا بصيرا متكلما ، والله تعالى كذلك. وأما الأفعال فمبدأ فعل الآدمي إرادة يظهر أثرها في القلب أولا فيسري منه أثر بواسطة الروح الحيواني الذي هو بخار لطيف في تجويف القلب ، فيتصاعد منه إلى الدماغ ثم يسرى منه إلى الأعصاب الخارجة من الدماغ ، ومن الأعصاب إلى الأوتار والرباطات المتعلقة بالعضل ، فتنجذب الأوتار فيتحرك بها الأصابع ، ويتحرك بالأصابع القلم ، وبالقلم المداد مثلا ، فيحدث منه صورة ما يريد كتبه على وجه القرطاس على الوجه المتصور في خزانة التخيل ، فإنه ما لم يتصور في خياله صورة المكتوب أولا لا يمكن إحداثه على البياض ثانيا ، ومن استقرأ أفعال الله تعالى وكيفية إحداثه النبات والحيوان على الأرض بواسطة تحريك السماوات والكواكب ، وذلك بطاعة الملائكة له في تحريك السماوات علم أن تصرف الآدمي في عالمه أعني بدنه يشبه تصرف الخالق في العالم الأكبر وهو مثله ، وانكشف له أن نسبة شكل القلب إلى تصرفه نسبة العرش ونسبة الدماغ نسبة الكرسي والحواس كالملائكة الذين يطيعون الله طبعا ولا يستطيعون خلافا ، والأعصاب والأعضاء كالسماوات ، والقدرة في الأصابع كالطبيعة المسخرة المركوزة في الأجسام ، والقرطاس والقلم والمداد كالعناصر التي هي أمهات المركبات في قبول الجمع والتركيب والتفرقة ومرآة التخيل كاللوح المحفوظ فمن اطلع بالحقيقة على هذه الموازنة عرف معنى قوله عليهالسلام : إن الله تعالى خلق آدم على صورته ، ومعرفة ترتيب أفعال الله تعالى معرفة غامضة يحتاج فيها إلى تحصيل علوم كثيرة ، وما ذكرناه إشارة إلى جملة منها.
قيل له : فما معنى قوله عليهالسلام : " من عرف نفسه فقد عرف ربه"؟
قال : لأن الأشياء تعرف بالأمثلة المناسبة ، ولو لا المضاهات المذكورة لم يقدر الإنسان على الترقي من معرفة نفسه إلى معرفة الخالق ، فلو لا أن الله تعالى جمع في الآدمي ما هو مثال جملة العالم حتى كأنه نسخة مختصرة من العوالم ، وكأنه رب في عالمه متصرف لما عرف العالم والتصرف والربوبية والعقل والقدرة والعلم وسائر الصفات الإلهية ، فصارت النفس بمضاهاتها وموازناتها مرقاة إلى معرفة خالق النفس ، وفي استكمال المعرفة بالمسألة التي قبل