الليل. ثم تصلي الفرض مع الإمام ، ثم تصلي بعد الفرض ركعتين ، فهما من الرواتب الثابتة.
ولا تشتغل إلى العصر إلا بتعلم علم ، أو إعانة مسلم ، أو قراءة قرآن ، أو سعي في معاش تستعين به على دينك. ثم تصلي أربع ركعات قبل العصر ، فهي سنة مؤكدة ، فقد قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : " رحم الله امرأ صلّى أربعا قبل العصر». فاجتهد أن ينالك دعاؤه صلىاللهعليهوسلم ، ولا تشتغل بعد العصر إلا بمثل ما سبق قبله.
ولا ينبغي أن تكون أوقاتك مهملة فتشتغل في كل وقت بما اتفق كيف اتفق ، بل ينبغي أن تحاسب نفسك ، وترتب أورادك في ليلك ونهارك ، وتعين لكل وقت شغلا لا تتعداه ولا تؤثر فيه سواه ، فبذلك تظهر بركة الأوقات. فأما إذا تركت نفسك سدى مهملا إهمال البهائم ، لا تدري بما ذا تشتغل في كل وقت ، فينقضي أكثر أوقاتك ضائعا ، وأوقاتك عمرك ، وعمرك رأس مالك ، وعليه تجارتك ، وبه وصولك إلى نعيم دار الأبد في جوار الله تعالى ، فكل نفس من أنفاسك جوهرة لا قيمة لها ، إذ لا بدل له ، فإذا فات فلا عود له. فلا تكن كالحمقى المغرورين الذين يفرحون كل يوم بزيادة أموالهم مع نقصان أعمارهم ، فأي خير في مال يزيد وعمر ينقص. ولا تفرح إلا بزيادة علم أو عمل صالح ، فإنهما رفيقاك يصحبانك في القبر حيث يتخلف عنك أهلك ومالك وولدك وأصدقاؤك.
ثم إذا اصفرت الشمس فاجتهد أن تعود إلى المسجد قبل الغروب ، واشتغل بالتسبيح والاستغفار ، فإن فضل هذا الوقت كفضل ما قبل الطلوع ؛ قال الله تعالى : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها) [طه : ١٣٠].
واقرأ قبل غروب الشمس" والشمس وضحاها"" والليل إذا يغشى"" والمعوذتين" ولتغرب عليك الشمس وأنت في الاستغفار ، فإذا سمعت الأذان فأجبه وقل بعده : اللهم إني أسألك عند إقبال ليلك وإدبار نهارك ، وحضور صلاتك وأصوات دعاتك ، أن تؤتي محمدا الوسيلة والفضيلة والشرف والدرجة الرفيعة ، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد. والدعاء كما سبق.
ثم صلّ الفرض بعد جواب المؤذن والإقامة ، وصلّ بعده ركعتين قبل أن تتكلم فهما راتبتا المغرب ، وإن صليت بعدهما أربعا فهي أيضا سنة ، وإن أمكنك أن تنوي الاعتكاف إلى العشاء تحيي ما بين العشاءين بالصلاة فافعل ، فقد ورد في فضل ذلك ما لا يحصى ؛ وهي ناشئة الليل لأنها أول نشأته ، وهي صلاة الأوابين. وسئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن قوله تعالى : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) [السجدة : ١٦] فقال : «هي الصّلاة ما بين العشاءين إنّها تذهب بملاغي أوّل النّهار وتهذّب آخره» ـ والملاغي جمع ملغاة وهي من اللغو.
فإذا دخل وقت العشاء فصل أربع ركعات قبل الفرض إحياء لما بين الأذانين ، ففضل ذلك كثير. وفي الخبر أن الدعاء بين الأذانين والإقامة لا يرد.