ما لم أبلغ ، وعلم ما جهلت فكيف أكون مثله! وإن كان جاهلا قلت : هذا قد عصى الله بجهل وأنا عصيته بعلم ، فحجة الله علي آكد وما أدري بم يختم له ، وإن كان كافرا قلت : لا أدري عسى أن يسلك ويختم له بخير العلم ، وينسلّ بإسلامه عن الذنوب كما تنسل الشعرة من العجين ، وأما أنا والعياذ بالله فعسى أن يضلني الله فأكفر فيختم لي بشر العمل ، فيكون غدا هو من المقربين وأنا أكون من الخاسرين.
فلا يخرج الكبر من قلبك إلا بأن تعرف أن الكبير من هو عند الله تعالى ، وذلك موقوف على الخاتمة ، وهي مشكوك فيها ، فيشغلك خوف الخاتمة عن أن تتكبر مع الشك فيها على عباد الله تعالى ؛ فيقينك وإيمانك في الحال لا يناقض تجويزك التغير في الاستقبال ، فإن الله مقلب القلوب يهدي من يشاء ويضلّ من يشاء.
والأخبار في الحسد والكبر والرياء والعجب كثيرة ، ويكفيك فيها حديث واحد جامع ، فقد روى ابن المبارك بإسناده عن رجل أنه قال لمعاذ : حدثني حديثا سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال : فبكى معاذ حتى ظننت أنه لا يسكت ، ثم قال : وا شوقاه إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وإلى لقائه ، ثم قال : كان رسول اللهصلىاللهعليهوسلم يقول لي : «يا معاذ إنّي محدّثك بحديث إن أنت حفظته نفعك عند الله ، وإن أنت ضيّعته ولم تحفظه انقطعت حجّتك عند الله تعالى يوم القيامة : يا معاذ إنّ الله تعالى خلق سبع أملاك قبل أن يخلق السّماوات والأرض ، فجعل لكلّ سماء من السّبع ملكا بوّابا عليها ، فتصعد الحفظة بعمل العبد من حين يصبح إلى حين يمسي ، له نور كنور الشّمس ، حتّى إذا صعدت به إلى السّماء الدّنيا زكّته وكثّرته ، فيقول الملك الموكّل بها للحفظة : اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه ، أنا صاحب الغيبة أمرني ربّي أن لا أدع عمل من اغتاب النّاس يجاوزني إلى غيري قال : ثمّ تأتي الحفظة بعمل صالح من أعمال العبد له نور فتزكّيه وتكثّره حتّى تبلغ به إلى السّماء الثّانية فيقول لهم الموكّل بها : قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه ، إنّه أراد بعمله عرض الدّنيا ، أنا ملك الفخر أمرني أن لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري ، إنّه كان يفتخر على النّاس في مجالسهم. قال : وتصعد الحفظة بعمل العبد يبتهج نورا من صدقة وصلاة وصيام قد أعجب الحفظة ، فيجاوزون به إلى السّماء الثّالثة فيقول لهم الملك الموكّل بها : قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه ، أنا ملك الكبر أمرني ربّي أن لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري ، إنّه كان يتكبّر على النّاس في مجالسهم. قال : وتصعد الحفظة بعمل العبد يزهو كما يزهو الكوكب الدّرّيّ وله دويّ من تسبيح وصلاة وصيام وحجّ وعمرة حتّى يجاوزوا به إلى السّماء الرّابعة ، فيقول لهم الملك الموكّل بها : قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه وظهره وبطنه ، أنا صاحب العجب أمرني ربّي أن لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري ، إنّه كان إذا عمل عملا أدخل العجب فيه. قال : وتصعد الحفظة بعمل العبد حتّى يجاوزوا به إلى السّماء الخامسة كأنّه العروس المزفوفة إلى بعلها ، فيقول لهم الملك الموكّل بها : قفوا واضربوا بهذا