العمل وجه صاحبه واحملوه على عاتقه ، أنا ملك الحسد إنّه كان يحسد من يتعلّم ويعمل بمثل عمله ، وكلّ من كان يأخذ فضلا من العبادة كان يحسدهم ويقع فيهم ، أمرني ربّي أن لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري. قال : وتصعد الحفظة بعمل العبد له ضوء كضوء الشّمس من صلاة وزكاة وحجّ وعمرة وجهاد وصيام ، فيجاوزون به إلى السّماء السّادسة ، فيقول لهم الملك الموكّل بها : قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه ، إنّه كان لا يرحم إنسانا قطّ من عباد الله أصابه بلاء أو مرض ، بل كان يشمت به ، أنا ملك الرّحمة أمرني ربّي أن لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري. قال : وتصعد الحفظة بعمل العبد من صوم وصلاة ونفقة وجهاد وورع ، له دويّ كدويّ النّحل ، وضوء كضوء الشّمس ، ومعه ثلاثة آلاف ملك ، فيجاوزون به إلى السّماء السّابعة ، فيقول لهم الملك الموكّل بها : قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه ، واضربوا جوارحه ، واقفلوا به على قلبه ، أنا صاحب الذّكر ، فإنّي أحجب عن ربّي كلّ عمل لم يرد به وجه ربّي ، إنّه إنّما أراد بعمله غير الله تعالى ، إنّه أراد به رفعة عند الفقهاء ، وذكرا عند العلماء ، وصيتا في المدائن ، أمرني ربّي أن لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري ، وكلّ عمل لم يكن لله تعالى خالصا فهو رياء ولا يقبل الله عمل المرائي. قال : وتصعد الحفظة بعمل العبد من صلاة وصيام وحجّ وعمرة وخلق حسن وصمت وذكر لله تعالى ، فيشيّعه ملائكة السّماوات السّبع حتّى يقطعوا به الحجب كلّها إلى الله تعالى ، فيقفون بين يديه ويشهدون له بالعمل الصّالح المخلص لله تعالى ، فيقول الله تعالى : أنتم الحفظة على عمل عبدي وأنا الرّقيب على ما في قلبه ، إنّه لم يردني بهذا العمل وإنّما أراد به غيري ، فعليه لعنتي! فتقول الملائكة كلّها : عليه لعنتك ولعنتنا! فتلعنه السّماوات السّبع ومن فيهنّ». ثم بكى معاذ وانتحب انتحابا شديدا ؛ وقال معاذ : قلت يا رسول الله أنت رسول الله وأنا معاذ ، فكيف لي بالنجاة والخلاص من ذلك؟ قال : " اقتد بي ، وإن كان في عملك نقص يا معاذ حافظ على لسانك من الوقيعة في إخوانك من حملة القرآن خاصّة ، واحمل ذنوبك عليك ولا تحملها عليهم ، ولا تزلّ نفسك بذمّهم ، ولا ترفع نفسك عليهم بوضعهم ، ولا تدخل عمل الدّنيا في عمل الآخرة ، ولا تراء بعملك ولا تتكبّر في مجلسك لكي يحذر النّاس من سوء خلقك ، ولا تناج رجلا وعندك آخر ، ولا تتعظّم على النّاس فتنقطع عنك خيرات الدّنيا والآخرة ، ولا تمزّق النّاس بلسانك فتمزّقك كلاب النّار يوم القيامة في النّار ، قال الله تعالى : (وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً) هل تدري ما هنّ يا معاذ؟» قلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟ قال : «كلاب في النّار تنشط اللّحم من العظم» ، قلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، من يطيق هذه الخصال ومن ينجو منها؟ قال : «يا معاذ إنّه ليسير على من يسره الله تعالى عليه ، إنّما يكفيك من ذلك أن تحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك ، وتكره لهم ما تكره لنفسك ، فإذن أنت يا معاذ قد سلمت».
قال خالد بن معدان : فما رأيت احدا أكثر تلاوة للقرآن العظيم من معاذ لهذا الحديث العظيم.