بسم الله الرّحمن الرّحيم
سرّ العالمين وكشف ما في الدّارين
خطبة الكتاب
الحمد لله الأول في ربوبيته ، والقديم في أزليته ، والحكيم في سلطنته ، والكريم في عزته ، لا شبيه له في ذاته وصنعته ، ولا نظير له في مملكته ، صانع كل شيء مصنوع بقدرته ، المتكلم بكلامه الأزليّ ليس بخارج من صفته ، أحمده على نعمته ، وأستعين به على دفع نقمته ، هو الله ربي وحده لا شريك له الواحد في ربوبيته ، الذي يختص من يشاء برحمته ، ختم الأنبياء بمحمد صلىاللهعليهوسلم وعلى آله وعترته.
أما بعد :
فلما رأيت أهل الزمان هممهم قاصرة على نيل المقاصد الباطنة والظاهرة ، وسألني جماعة من ملوك الأرض أن أضع لهم كتابا معدوم المثل لنيل مقاصدهم واقتناص الممالك وما يعينهم على ذلك ، استخرت الله فوضعت لهم كتابا ، وسميته بكتاب" سر العالمين وكشف ما في الدارين" وبوّبته أبوابا ، ومقالات وأحزابا ، وذكرت فيه مراتب صوابا ، وجعلته دالا على طلب المملكة وحاثا عليها ، وواضعا لتحصيلها أساسا جامعا لمعانيها ، وذكرت كيفية ترتيبها وتدبيرها ، فهو يصلح للعالم الزاهد ، وشريك شرك المالك بتطييب قلوب الجند وجذبهم إليه بالمواعظ. فأول من استحسنه وقرأه علي بالمدرسة النظامية سرّا من الناس في النوبة الثانية بعد رجوعي من السفر رجل من أرض المغرب يقال له محمد بن تومرت من أهل سلمية ، وتوسمت منه الملك. وهو كتاب عزيز لا يجوز بذله ، لأن تحته أسرارا تفتقر إلى كشف ، إذ طباع العالم نافرة عنها ، وتحته علوم عزيزة وإشارات كثيرة دالة على غوامض أسرار لا يعرفها إلا فحول الحكماء. فالله يوفقك للعمل به فإنه دال على كل ما تريد إن شاء الله تعالى.
ترجمة الأبواب وهي ثلاثون مقالة
فصل
اعلم أن الملك عظيم وعقيم ، عليه وقع الاشتباك والمناقشة بين الصالح والطالح ، والخاسر والرابح ، فمنه يتشعب الحسد وكل عرض وغرض مزعزع. فلا بد من أصل ومرتبة ،