الخمر بلايا وآفات وزلازل عقل وحدوث بلايا وإظهار حقود ، إذ صاحب الملك مرموق بالحسد ، قال النجاشي لجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه : كيف سيرة نبيكم في الأكل مع أصحابه؟ فقال : يأكل على الأرض ، فقال : ذلك تواضع لجذب قلوب أصحابه ، فقال النجاشي : لو كان ملكا لأكل وحده على خوانه في مجمع معروف له ، وزبادي مخصوصة. ثم الورق إن كان مقطعا فمعروف ، وإن كان ذهبا فشهر بشهر. ولا بأس بالسلام عليه وهو موصول بهم والمعاهدة لرسل الملك وإقامة ناموسه عند الغرباء والمنشدين والقصاد. وكان سليمان يقسم أسبوعه بعضه للجند وبعضه للقضايا وبعضه للعبادة وتذكار الحكم والنساء ، كما يقول : يا أرباب المملكة عليكم بأهل العلم والصلاح ، فإنهم يرشدونكم إذا ضللتم ، ويعرفونكم إذا جهلتم ، ويستعطفونكم إذا غضبتم ، وينفقونكم إذا حرمتم. وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب :
فلا تصحب أخا الجهل |
|
وإياك وإياه |
فكم من جاهل أردى |
|
حليما حين آخاه |
يقاس المرء بالمرء |
|
إذا ما المرء ماشاه |
وللشيء على الشيء |
|
مقاييس وأشباه |
وللقلب على القلب |
|
دليل حين يلقاه |
وليقلّ الملك المنادمة والمسامرة والقليل من الهزليات والمضحكات ، وليكن وزيره قابلا قائلا بالعلم والصلاح ، منزّلا للناس في طبقاتهم ، فلا تنظروا في حسن البزة مع عموم الجهل ، فقد نقل إلينا أن بهلولا دخل إلى مجلس هارون فجلس في أدنى المجلس فقال له هارون : ارفع رأسك إلى صدر المجلس! فقال البهلول : مجلسي يفنى فأين صدره؟ ثم أنشد :
كن رجلا وارض بصفّ النعال |
|
لا يطلب الصدر بغير الكمال |
فإن تصدّرت بلا آلة |
|
جعلت ذاك الصّدر صفّ النعال |
ومن جملة قبول الملك أن يختار لنفسه طعاما يخصه ، وقد كان المأمون يحب المأمونية ، ومهلب العراق يحب المهلبية ، وكان بنو أمية يكثرون من أكل الهرايس والزلابيا ، ولم يغسلوا اللحم ، بل يكشفون الجلد فيأخذون من تحت الجلد ما يختارون فيتداوون الأيدي بزفر اللحم. وقد روى أبو طالب المكي أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : " شكوت إلى أخي جبريل حين ضعف الوقاع فأمرني بأكل الهرايس فوجدت لظهري بها خيرا". وقد كان ذو القرنين يحب الزرباح لتسكينها للخلط الصفراوي ، ووجد بخارا حارّا تولد عن صفراء ، فانزعج له جبينه فمزج بالبطيخ ماء وعسلا وخلّا فشربه فقال : سكن جبيني ، فسمي بذلك الاسم ، وكان يخلط خشن الدقيق وناعمه فيتخذ له منه خبزا ، فقال الحكيم من جوشك :
أراد الخبز الجريش للمعدة الضعيفة أو الحلقة البلغمية أجود وأعود ، والخبز السميد يورث الخفق وهذا مشاهد عيانا من عمل الفقاع.