فللحيوان أمير ومقدم كالنحل والنمل وغيره. إن فهمت بآذان العقل فكن أطوع من ضيف ، وإلا هامتك والسيف. أما سمعت قول المشرع عليهالسلام : " أطيعوا أميركم ولو كان عبدا حبشيّا". قال الله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء : ٥٩] فإن فهمت المواعظ فقد قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : " لا تشابكوا المساعيد فإني سيدهم" فإن عربد الجهل فانظر إلى البازي والعقاب والنسر والذباب كما نظمه ذوو الألباب (شعر) :
يا طالب الرّزق السّنيّ بقوة |
|
هيهات أنت بباطن مشغوف |
رعت النسور بقوة جيف الفلا |
|
ورعى الذباب الشهد وهو ضعيف |
وأنت أيها العاقل لا تشابك الزمان والدول ، ولا تفتن بما جرى للقوم الأول ، وإذا سمعت بالمرتاضين فكن بهم ملمّا فإن خواص أنفاس القوم فيها جذب مغناطيسي ، أما سمعت بذي القرنين لما سمع بأرباب الهمم الهندية ، وهم أربعون رجلا ، اتخذ لهم ما أزعجهم وفرق هممهم ، مثل زعجة الطبول والأبواق ، فتفرقت هممهم فداسهم. وانظر إلى المعاني التي أودعناها في كتاب الملك فإنها كافية ، واستزد من الإشارات ولا تكذب الكلمات فإنها أخوات المعجزات ، واعلم أنه لا يستقيم جسم من غير رأس ، ولا سماء من غير شمس ، ولا تحسن أرض من غير عمارة ، وفلاحة وتجارة ، وموت وحياة ، وغنى وفقر ، وملك وسياسة ، وإمارة ووزارة ، فالأمور منظومة بعضها ببعض ، كما سنبين لك فيما بعد.
المقالة الخامسة عشرة
في قطع دليل المستدل
مسألة ما يقول في الدليل : ما أخذ منكم يا معاشر المناظرين إلا وقد تمسك بدليل يصلح عقده أن يكون دليلا ، فيعارضه مناظرة بما يناقضه ، والمنقوض كيف يكون دليلا والناقض إذا نقض بغيره فقد دخلته العلة فبطل عن منهج الدليل ، وعارضه العلة بالنقض فصار كل دليل مزلزلا معلولا غير مقطوع ، فإن كان منقولا أو معقولا وعارضه النقض فقد بطل حكمه أو قوله ، فإن قلت بطل قوله فقد هدرت الشرع ، لأن الحكم والقول معا ، فأين آثار فقه المستدل؟ وإن كان دليلك معقولا قياسا فكيف يستند بالقياس إلى منقول منقوض؟ وإن كان غير قياس فكيف يمشي به السؤال؟ فبطل الكلام في النظر ، وإذا علمت أن كلامك مدخل تحت العلة والمعلول ، فما العلة التي تنفصل عن المعلول؟ أم هي غير منفصلة عن المعلول؟ فإن كانت العلة غير منفصلة عن المعلول فكيف يجوز أن يكون دليلا؟ وإن كانت داخلة في المعلول فإما أن تكون جنسه أو غيره ، فإن قلت إنها غيره فأين دليلك لتبيان القول؟ وإن قلت بأنها جنسه فكيف يأتي بعد مبين من غير نتيجة بأنها علية ومعلول؟ وكل من فقهت نفسه لشيء فهو فقيه ، فكيف خص الفقه؟ وأين آثار التخصيص به والدليل المقطوع له؟ وما النظر وما معنى المناظرة والمجاورة؟ فإن قلت المجاورة هو زوال الإشكال من الحجة بطريق التبيين ، كما يقال التبعيض إن