لعمت الخافقين ظلمها ، ولرسخ في كل الأقطار قدمها ليقضي الله أمرا كان مفعولا. ويبقى رسما كان إبقاؤه عليه وعدا مسئولا. ولكن تعاقب الزمان وطرو الحوادث وكثرة الصوارف وفتور الهمم داعية إلى الفساد ، والداء يزداد كل يوم أغذية السوء كالذنوب فرأيت إبراز هذه النبذ لتكون مغنية للسائلين ومعينة للسالكين ومنفعة باقية في الآخرين.
والأهم من هذا الغرض التنبيه على غوائل الآراء البشعة التي استهوت عقول أكثر الناس وهم في ازدياد من هذا الفن ، وهو سبب فتور الشرائع وهو عند الأنبياء على مر الأيام والنفوس مولعة بكل غريب لم تألفه وغامض لم تعهده فلا يسلم الغمز الجاهل من الوقوع فيه والفطن المتباطئ عن الاغترار بما يظهر من مبادئه.
وقد كثرت ترهات هذه الطائفة لعلتين :
إحداهما : الزهد في الرد عليهم.
والثانية : بدار الجهال بمجادلة الرد على ما قرر لديهم كمقابلتهم بإنكار علوم التعاليم الأربعة من الهندسة والحساب والمنطق ومعرفة المواكب وثبوتها. وهي مقدمات علومهم وعنوان كلامهم وعنصر براهينهم ولم يحكموا فيما حاولوا شيئا كإحكامهم لها. والمنطق على مر الأيام وكر الدهور ينقحونه ويهذبونه إلى زمان أفلاطون فزاد ترتيبا وميز فيه السفسطة من الجدل. وحذا حذوه تلميذه أرسطو فرتب صناعة البرهان. وهذب الكتب الثمانية. وكذلك علم الهيئة والهندسة استخرجوهما من السند هند كتاب أيضا تعاقبته الأيام وهو الذي يحصل منه الهندسة والهيئة فلا معنى لمناكرتهم في كليات هذه التعاليم ، فليطالبوا بتصحيح مسائلها الجزئية واستعمالها وتصحيح الأشكال والمقدمات في العلم الإلهي فإنهم تساهلوا فيها ولم يستعملوها البتة فهناك موضع المضايقة ، وأما إنكار كون الأرض كرية وأخذها المكان الأوسط من الفلك وارتفاع الأقاليم وانخفاضها وتحقيق الجهات والآفاق والكسوفات فلا معنى لإنكار ذلك ومناظرتهم في إبطاله ، فهذا أحد الغرضين وتحته تنبيه على المواضع التي نتكلم على اختلافهم فيها ونورد ذلك متفرقا في الكتاب إن شاء الله تعالى.
الغرض الثاني : أن الحق لا يعرف قدره وحده ما لم يعرف نقيضه وضده فبضدها تتميز الأشياء ومقصدنا التنبيه على الطريق الأسلم ، والصراط الأقوم. ولا بدّ من ذكر الطريق المنحطة عنه لينصف في ذلك الناظر في هذا الكتاب فيعلم أنا لم ننتدب لضئيل ولا أضربنا عن سيرة الأوائل في سكوتهم إلا لخطب جليل. ولنضيف ذلك إلى الغرض الثاني فيتضح لديه العذر وليعرف مقدار النعمة فيطلبها بالشكر فنقول الناطقون بكلمة الشهادة سبع فرق.
الفرقة الأولى : طائفة نطقوا بالشهادتين من غير التفات إلى ما تنطوي عليه من المعنى ولا احتفاء بالوظائف كأجلاف الأعراب والأعاجم لكنهم كالأنعام بل هم أضل سبيلا. فلهم حكم