بسم الله الرّحمن الرّحيم
الدّرّة الفاخرة في كشف علوم الآخرة
خطبة الكتاب
الحمد الله الذي خص نفسه بالدوام ، وحكم على من سواه بالانصرام ، وجعل الموت حال أهل الكفر والإسلام ، وفصل بعلمه بين تفاصيل الأحكام ، وجعل حكم الآخرة خلفا للمعهود من الأيام ، وأنهج ذلك لمن يشاء من خلقه أهل الإكرام ، وصلّى الله على سيدنا محمد رسول الملك العلام ، وعلى آله وصحبه الذين خصهم بجزيل الإنعام في دار السلام.
أما بعد ، فقد قال الله تعالى (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [آل عمران : ١٨٥] وثبت ذلك في كتابه العزيز في ثلاثة مواضع. وإنما أراد الله سبحانه وتعالى الموتات الثلاث للعالمين ، فالمتحيز إلى العالم الدنيوي يموت ، والمتحيز إلى العالم الملكوتي يموت ، والمتحيز إلى العالم الجبروتي يموت. فالأول آدم وذريته وجميع الحيوانات على ضروبه الثلاث ، والملكوتي وهو الثاني أصناف الملائكة والجن ، وأهل الجبروتي فهم المصطفون من الملائكة. قال الله تعالى : (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) [الحج : ٧٥] فهم كروبيون وروحانيون وحملة العرش وأصحاب سرادقات الجلال الذين وصفهم الله تعالى في كتابه وأثنى عليهم حيث يقول : (وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء : ١٩ ، ٢٠] وهم أهل حظيرة القدس المعينون المنعوتون بقول الله تعالى: (لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) [الأنبياء : ١٧] وهم يموتون على هذه المكانة من الله تعالى والقربى ، وليس زلفاهم بمانعة لهم من الموت. فأول ما أذكر لك عن الموت الدنيوي فألق أذنيك لتعي ما أورده وأصفه لك بنقل عن الانتقال من حال إلى حال إن كنت مصدقا بالله ورسوله واليوم الآخر ، فإني ما آتيك إلا ببينة ، شهد الله على ما أقول ويصدق مقالتي القرآن ، وما صح من حديث رسول اللهصلىاللهعليهوسلم.
فصل
لما قبض الله القبضتين اللتين قبضهما عند ما مسح على ظهر آدم عليهالسلام ، فكل ما جمعه في جمعه الأول إنما جمع من شقه الأيمن ، وكل ما جمع في الآخر إنما جمع من شقه الأيسر ، ثم بسط قبضته سبحانه فنظر إليهم آدم في راحتيه الكريمتين وهم أمثال الذر ثم قال :