الْغُيُوبِ) [المائدة : ١٠٩]. والأول أصح ، حكيناه في" الإحياء" لأن الرسل يتفاضلون والمسيحعليهالسلام من أجلهم لأنه روح الله وكلمته. فإذا تلا النبي صلىاللهعليهوسلم القرآن توهمت الأمة أنهم ما سمعوه قط ، وقد قالوا للأصمعي : تزعم أنك أحفظهم لكتاب الله تعالى ، قال : يا ابن أخي يوم أسمعه من النبي صلىاللهعليهوسلم كأني ما سمعته قط. فإذا فرغت قراءة الكتب خرج النداء من قبل سرادقات الجلال : (وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) [يس : ٥٩]. فيرتج الموقف ويقوم فيه روع عظيم ، والملائكة قد امتزجت بالجن والجن ببني آدم. ولجّ الكل لجة واحدة. ثم يخرج النداء : يا آدم ابعث من نبيك بعثا إلى النار! فيقول : كم يا رب؟ فيقول له : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحدا إلى الجنة. فلا يزال يستخرج من سائر الملحدين والغافلين والفاسقين حتى لا يبقى إلا قدر حفنة الرب كما قال الصديق : نحو حفنة من حفنات الرب. ثم يقرب اللعين بالشياطين فمنهم من يزيغ له الميزان فإذا سيئاته ترجح على حسناته ؛ وكل من وصلت له الشريعة لا بدّ له من الميزان. فإذا اعتزلوا وأيقنوا أنهم هالكون قالوا : آدم ظلمنا ومكن الزبانية من نواصينا ، فإذا النداء من قبل الله تعالى : (لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) [غافر : ١٧]. فيستخرج لهم كتاب عظيم يسد ما بين المشرق والمغرب فيه جميع أعمال الخلائق ، فما من صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) [الكهف : ٤٩]. وذلك أن أعمال الخلائق كل يوم تعرض على الله فيأمر الكرام البررة أن ينسخوها في ذلك الكتاب العظيم وهو قوله تعالى : (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الجاثية : ٢٩]. ثم ينادى بهم فردا فردا فيحاسب كل واحد منهم ، فإذا الأقدام تشهد ، واليدان تشهدان وهو قوله تعالى : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [النور : ٢٤]. وقد جاء في الخبر أن رجلا منهم يوقف بين يدي الله تعالى فيقول له : يا عبد السوء كنت مجرما عاصيا ، فيقول : ما فعلت ، فيقال له : عليك بينة ، فيؤتى بحفظته فيقول : كذبوا علي ، ويجادل على نفسه وهو قوله تعالى : (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها) [النمل : ١١١]. ويختم على فيه وهو قوله تعالى : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [يس : ٦٥]. فتشهد جوارحه عليه فيؤمر به إلى النار ، فيجعل يلوم جوارحه فتقول له : ليس عن اختيارنا ، أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء. ثم يدفعون بعد الفراغ إلى خزنة جهنم فترتج أصواتهم بالبكاء والضجيج ، ويكون لهم رجة عظيمة حين يعرض الموحدون المؤمنون ، فتحدق بهم الملائكة تلقى كل واحد منهم يقول : (هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) [الأنبياء : ١٠٣]. والفزع الأكبر في أربعة مواضع : عند نقر الناقور ، وعند تفلت جهنم من الخزنة ، وعند إخراج بعث آدم ، وعند دفعهم إلى الخزنة. فإذا بقي الموقف ليس فيه إلا المؤمنون ، والمسلمون المحسنون ، والعارفون ، والصديقون ، والشهداء ، والصالحون ، والمرسلون ، ليس فيهم مرتاب ولا منافق ولا زنديق فيقول الله تعالى: يا أهل الموقف من ربكم؟ فيقولون : الله ، فيقول لهم : تعرفونه؟ فيقولون : نعم ،