يسار العرش لو جعلت البحار السبعة في نقرة إبهامه ما ظهرت فيقول لهم : أنا ربكم ، بأمر الله ، فيقولون: نعوذ بالله منك! فيتجلى لهم ملك عن يمين العرش لو جعلت البحار الأربعة عشر في نقرة إبهامه ما ظهرت فيقول لهم : أنا ربكم ، فيتعوذون بالله منه. ثم يتجلى لهم الله تعالى في الصورة التي كانوا يعرفونها وسمعوه وهو يضحك فيسجدون له جميعهم فيقول أهلا بكم ، ثم ينطلق بهم سبحانه إلى الجنة فيتبعونه فيمر بهم على الصراط والناس أفواج ، أعني المرسلين ثم النبيين ثم الصديقين ثم المحسنين ثم الشهداء ثم المؤمنين ثم العارفين ، ويبقى المسلمون منهم المكبوب على وجهه ، ومنهم المحبوس في الأعراف ، ومنهم قوم قصروا عن تمام الأيمان ، ومنهم من يجوز الصراط على مائة عام ، وآخر يجوز على ألف عام ، ومع ذلك كله تحرق النار كل من رأى ربه عيانا لا يضام في رؤيته. وأما المسلم والمحسن والمؤمن فقد كشفنا عن مقام كل واحد منهم في كتابنا المسمى «بالاستدراج» وهم في زمرة الانطلاق قد كثر مرورهم وترددهم بالجوع والعطش ، قد تفتتت أكبادهم ، لهم نفس كالدخان ، يشربون من الحوض بكئوس عدد نجوم السماء ، وماؤه من نهر الكوثر ، وقدره من إيلياء إلى صنعاء طولا ، وعرضه من عدن إلى يثرب ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام «منبري على حوضي» أي على أحد حافتيه في المكيال والمقدار ، والمذادون عنه هم المشتغلون في حبس الصراط بمساوي قبائح ذنوبهم ، فكم من متوضئ لا يحسن أن يسبغ وضوءه ، وكم من مصلّ لم يسأل عن صلاته اتخذ صلاته حكاية قد عريت من الخضوع والخشوع لو قرصه نملة لالتفت ، والعارفون بجلال الله لو قطعت أيديهم وأرجلهم ما ارتجوا ، لذلك شغلتهم الهيبة والفكرة لعملهم بقدر من قاموا بين يديه ، فربما رجل لسعته العقرب في مجلس أمير من الأمراء لم يتحرك صبرا عليها وتعظيما للأمير في المجلس ، فهذه حالة الآدميين مع المخلوق لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرّا ، فكيف حال من يكون قائما بين يدي الله عزوجل وهيبته وسلطانه وعظمته وجبروته! وحكى الظالم العارف أنه يؤتى به إلى الله تعالى فتخرج عليه المظالم ويتعلق به المظلوم فيقول له : التفت أيها المظلوم فوق رأسك! فإذا بقصر عظيم تحار فيه الأبصار فيقول : ما هذا يا رب؟ فيقول : إنه للبيع فاشتره مني! فيقول : ليس معي ثمنه ، فيقول : إن ثمن هذا أن تبرئ مظلمة أخيك فالقصر لك ، فيقول : قد فعلت يا رب. هكذا يفعل الله بالظالمين الأوابين وهو قوله تعالى : (فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً) [الإسراء : ٢٥]. والأواب الذي أقلع عن الذنب فلم يعد أبدا ، وقد سمي داود عليهالسلام أوابا وغيره من المرسلين.
فصل في كيفية دعاء أهل الموقف وذكر الاختلاف فيما
جاء في تفسيره
وفي الصحيح أن أول ما يقضي الله تعالى في الدماء ، وأول من يعطي الله أجورهم : الذين ذهبت أبصارهم. نعم ينادى يوم القيامة بالمكفوفين فيقال لهم : أنتم أحرى ، أي أحق من ينظر إليه ، ثم يستحي الله منهم فيقول لهم : اذهبوا إلى ذات اليمين! ويعقد لهم راية ، وتجعل في يد