قائمة الکتاب
المنقذ من الضلال
٥٣٧
إعدادات
مجموعه رسائل الإمام الغزالي
مجموعه رسائل الإمام الغزالي
تحمیل
بسم الله الرّحمن الرّحيم
كتاب المنقذ من الضّلال
المدخل
الحمد لله الذي يفتتح بحمده كل رسالة ومقالة ، والصلاة على محمد المصطفى صاحب النبوة والرسالة ، وعلى آله وأصحابه الهادين من الضلالة.
أما بعد : فقد سألتني أيها الأخ في الدين ، أن أبث إليك غاية العلوم وأسرارها ، وغائلة المذاهب وأغوارها ، وأحكي لك ما قاسيته في استخلاص الحق من بين اضطراب الفرق ، مع تباين المسالك والطرق ، وما استجرأت عليه من الارتفاع عن حضيض التقليد إلى يفاع الاستفسار ، وما استفدته أولا من علم الكلام وما اجتويته ثانيا من طرق أهل التعليم القاصرين لدرك الحق على تقليد الإمام ، وما ازدريته ثالثا من طرق التفلسف ، وما ارتضيته آخرا من طريقة التصوف ، وما انجلى لي في تضاعيف تفتيشي عن أقاويل الخلق من لباب الحق ، وما صرفني عن نشر العلم ببغداد مع كثرة الطلبة ، وما دعاني إلى معاودتي نيسابور بعد طول المدة ، فابتدرت لإجابتك إلى مطلبك بعد الوقوف على صدق رغبتك ، وقلت مستعينا بالله ومتوكلا عليه ، ومستوثقا منه ، وملتجئا إليه :
اعلموا أحسن الله تعالى إرشادكم ، وألان للحق قيادكم أن اختلاف الخلق في الأديان والملل ، ثم اختلاف الأئمة في المذاهب على كثرة الفرق وتباين الطرق ، بحر عميق غرق فيه الأكثرون ، وما نجا منه إلا الأقلون. وكل فريق يزعم أنه الناجي ، و (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [الروم : ٣٢] هو الذي وعدنا به سيد المرسلين ، صلوات الله عليه ، وهو الصادق الصدوق حيث قال : " ستفترق أمّتي ثلاثا وسبعين فرقة ، النّاجية منها واحدة" فقد كان ما وعد أن يكون.
ولم أزل في عنفوان شبابي ، منذ راهقت البلوغ قبل بلوغ العشرين إلى الآن وقد أناف السن على الخمسين ، أقتحم لجة هذا البحر العميق ، وأخوض غمرته خوض الجسور ، لا خوض الجبان الحذور ، وأتوغل في كل مظلمة ، وأتهجم على كل مشكلة ، وأتقحم كل ورطة ، وأتفحص عن عقيدة كل فرقة ، وأستكشف أسرار مذهب كل طائفة ؛ لأميز بين محق ومبطل ، ومتسنن ومبتدع لا أغادر باطنيّا إلا وأحب أن أطلع على بطانته ، ولا ظاهريّا إلا وأريد أن أعلم حاصل ظهارته ، ولا فلسفيّا إلا وأقصد الوقوف على كنه فلسفته ، ولا متكلما إلا وأجتهد في