عليهم ، بأنهم لم يفهموا بعد حجتهم. وذكر تلك الحجة وحكاها عنهم. فلم أرض لنفسي أن يظن فيّ الغفلة عن أصل حجتهم ؛ فلذلك أوردتها ، ولا أن يظن بي أني وإن سمعتها لم أفهمها ؛ فلذلك قررتها.
والمقصود أني قررت شبهتهم إلى أقصى الإمكان ، ثم أظهرت فسادها بغاية البرهان.
والحاصل : أنه لا حاصل عند هؤلاء ، ولا طائل لكلامهم. ولو لا سوء نصرة الصديق الجاهل ، لما انتهت تلك البدعة. مع ضعفها. إلى هذه الدرجة ؛ ولكن شدة التعصب ، دعت الذابين عن الحق إلى تطويل النزاع معهم في مقدمات كلامهم ، وإلى مجادلتهم في كل ما نطقوا به ، فجادلوهم في دعواهم" الحاجة إلى التعليم والمعلم" ودعواهم" لا يصلح كل معلم ، بل لا بد من معلم معصوم".
وظهرت حجتهم في إظهار الحاجة إلى التعليم وإلى المعلم ، وضعف قول المنكرين في مقابلتهم ، فاغتر بذلك جماعة وظنوا أن ذلك من قوة مذهبهم ، وضعف مذهب المخالفين لهم ، ولم يفهموا أن ذلك لضعف ناصر الحق وجهله بطريقه ؛ بل الصواب الاعتراف بالحاجة إلى المعلم ، وأنه لا بد وأن يكون المعلم معصوما ؛ ولكن معلمنا المعصوم هو محمد عليه الصلاة والسلام ، فإذا قالوا : " هو ميت" فنقول" ومعلمكم غائب" فإذا قالوا : " معلمنا قد علم الدعاة وبثهم في البلاد وهو ينتظر مراجعتهم إن اختلفوا أو أشكل عليهم مشكل" ، فنقول : " ومعلمنا قد علم الدعاة وبثهم في البلاد وأكمل التعليم إذ قال الله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) [سورة المائدة : الآية ٣] وبعد كمال التعليم لا يضرّ موت المعلم كما لا يضر غيبته.
فبقي قولهم : " كيف تحكمون فيما لم تسمعوه؟ أبا النص ولم تسمعوه ، أم بالاجتهاد والرأي وهو مظنة الخلاف؟» فنقول : نفعل ما فعله معاذ إذ بعثه رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى اليمن ، إذ كان يحكم بالنص عند وجود النص وبالاجتهاد عند عدمه ؛ بل كما يفعله دعاتهم إذا بعدوا عن الإمام إلى أقاصي البلاد ؛ إذ لا يمكنهم أن يحكموا بالنص ، فإن النصوص المتناهية لا تستوعب الوقائع الغير المتناهية ، ولا يمكنهم الرجوع في كل واقعة إلى بلدة الإمام ، وإلى أن يقطع المسافة ويرجع فيكون المستفتي قد مات وفات الانتفاع بالرجوع. فمن أشكلت عليه القبلة ليس له طريق إلا أن يصلي بالاجتهاد ، إذ لو سافر إلى بلدة الإمام لمعرفة القبلة ، لفات وقت الصلاة ، فإذن جازت الصلاة إلى غير القبلة بناء على الظن. ويقال" إن المخطئ في الاجتهاد له أجر واحد وللمصيب أجران" فكذلك في جميع المجتهدات ، وكذلك أمر صرف الزكاة إلى الفقير ، وربما يظنه فقيرا باجتهاده وهو غني باطنا بإخفاء ماله ، ولا يكون هو مؤخذا به وإن أخطأ ، لأنه لم يؤاخذ إلا بموجب ظنه. فإن قال : " ظن مخالفه كظنه" فنقول" هو مأمور باتباع ظن نفسه ، كالمجتهد في القبلة يتبع ظن نفسه وإن خالفه غيره" ، فإن قال : " فالمقلد يتبع أبا حنيفة أو الشافعيرحمهماالله ، أم غيرهما" فأقول : " فالمقلد في القبلة عند الاشتباه ، إذا اختلف عليه