بسم الله الرّحمن الرّحيم
قانون التأويل
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد : فقد سئل الإمام الزاهد أبو حامد محمد بن محمد [بن محمد] الغزالي الطوسيرحمهالله عن بيان معنى قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم" ، هل هو ممازجة كالماء بالماء ، أم هو مثل الإحاطة بالعود؟ وهل هو مباشرته للقلوب بتخايل من خارج تنقلها القلوب إلى الحواس فتثبت فيها فيكون منها الوسواس ، أم يباشر جوهره جوهر القلوب؟ وهل يمكن جمع بين ما رسمته النبوة من هذا الوصف ، ومثله في ترائي الجن لبني آدم في صور الحيوانات ، وفي أشكال سواها مختلفة ، كترائي الملائكة عليهم الصلاة والسلام للأنبياء في صور بني آدم؟ أم صورتهم على تلك الأمثلة فينكشف الغطاء عنها لمن قدر له رؤيتها ، ثم يحدث فيها كثافة جسمانية كما أحدث في الملائكة؟.
وهل من سبيل إلى الجمع بين هذا القول من الشرع في الجن والشياطين ، وبين قول الفلاسفة إنها أمثلة وعبارة عن الأخلاط الأربعة التي في داخل الأجسام لتدبيرها ، أم لا؟
وما يظهر من المصروعين هل هو كلام الجني الذي يصرعه ، أم هو لسان المصروع ببرسام يعتريه من شدة ما يناله منه؟.
وكيف إخبارهم بالغوائب التي في القوى ولم تخرج بعد إلى الفعل؟ والطبيعيون يقولون في ذلك ما تعلمه من ثوران خلط السوداء وغلبته فيكون منه ذلك ويسمونهم بخلط الريح ، وهل بينهما علة جامعة أم لا؟
وكيف المثل الذي أخبر به النبي صلىاللهعليهوسلم في إدبار الشيطان عند الأذان وله حصاص ؛ هل أريد بذلك المثل كما تقول العرب : مضرط الحجارة ، وفلان يحدث من الشدة ، أم يتصور في ذلك الوقت جسم يكون عنه الحصاص؟ فإن الشيطان بسيط على علمه لا يتغذى ، فكيف يكون منه ما يكون من التغذي؟ وكيف يكون أيضا الروث والعظم لهم غذاء وقد يكون بالشم ، والبسيط لا تصح فيه الحواس المركبة؟
وكيف الحقيقة في البرزخ؟ وهل أهله من قبيل أهل الجنة ، أم من قبيل أهل النار؟ فليس هناك منزلة تتصور إلا في الجنة والنار ، وإن قيل إنه الفصل المشترك المعبر عنه بالسور الذي