بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحكمة في مخلوقات الله عزوجل
وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله وصحبه وسلّم
خطبة الكتاب
الحمد لله الذي جعل نعمته في رياض جنان المقربين ، وخص بهذه الفضيلة من عباده المتفكرين ، وجعل التفكر في مصنوعاته وسيلة لرسوخ اليقين في قلوب عباده المستبصرين ، استدلوا عليه سبحانه بصنعته فعلموه وتحققوا أن لا إله إلا هو فوحدوه ، وشاهدوا عظمته وجلاله فنزهوه ، فهو القيم بالقسط في جميع الأحوال ، وهم الشهداء على ذلك بالنظر والاستدلال فعلموا أنه الحليم القادر العليم ، كما قال في كتابه الكريم : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [آل عمران : ١٨]. والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين ، وشفيع المذنبين محمد خاتم النبيين ، وعلى آله وصحبه وشرف وكرم إلى يوم الدين.
أما بعد :
يا أخي وفقك الله توفيق العارفين ، وجمع لك خير الدنيا والدين ، إنه لما كان الطريق إلى معرفة الله سبحانه والتعظيم له في مخلوقاته والتفكر في عجائب مصنوعاته. وفهم الحكمة في أنواع مبتدعاته ، وكان ذلك هو السبب لرسوخ اليقين ، وفيه تفاوت درجات المتقين ، وضعت هذا الكتاب منبها لعقول أرباب الألباب بتعريف وجوه من الحكم والنعم التي يشير إليها معظم آي الكتاب. فإن الله تعالى خلق العقول وكمل هداها بالوحي وأمر أربابها بالنظر في مخلوقاته والتفكر والاعتبار مما أودعه من العجائب فيمصنوعاته ، لقوله سبحانه : (قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). [يونس : ١٠١]. وقوله : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء : ٣٠]. إلى غير ذلك من الآيات البينات والدلالات الواضحات التي يفهمها متدبرها ، والمترقي في اختلاف معانيها يعظم المعرفة بالله سبحانه التي هي سبب السعادة ، والفوز بما وعد به عباده من الحسنى وزيادة. وقد بوبته أبوابا يشتمل كل باب على ذكر وجه الحكمة من النوع المذكور فيه من الخلق ،