إلا بزمن متقدم عليه وهي النقلة الشتوية فإنها باردة رطبة تنزل فيها الأمطار وتسخن في الأرض وتختمر بها فهي كحال البداية للإنسان. فلو أن الله تعالى يخرج الخلق من الشتاء إلى الصيف بغير فصل الربيع لهلكوا عن آخرهم ، فإن الأبدان والنباتات استولى عليها البرد والرطوبة والنقلة الصيفية الغالب عليها المستولى فيها الحر واليبس. فلو خرجوا من البرد المفرط إلى الحر المفرط ومن الضد الذي هو الرطوبة إلى المضاد له وهو اليبس لكانت الهلكة. لكن الله تعالى لحكمته فصل يفصل فيه تناسب الفصلين معا فأوله بالبرودة وآخره بالحرارة على تدريج خفي لا تحس به الأجسام إلا بعد انقضائه ، وذلك بمر الشمس على الثمان والعشرين منزلة في المنطقة الوسطى التي تجري فيها الكواكب فلها مشرقان وهما منتهى تحركها في الأفق الشرقي ، في الطرفين ، فإذا انتهت نهايتها فيكون الجنوب في الآخر ويكون الشتاء بذلك الأفق الأضعف.
فحينئذ شعاعها في المواضع يجذب البلة وتتصاعد به أبخرة البحار ، وينعكس الحر في بطن الأرض ، ويسقط ورق الثمار لأن الماء ينجذب من أعاليها إلى أسفلها من حيث إن الأبخرة الحارة ينفيها البرد من أعلى الأرض فتطلب المركز ، فإذا استحرت الأرض استدعت الرطوبات فجذبت ما في النباتات ، فإذا زالت الرطوبات من الأوراق والأغصان غلب عليها اليبس فتكمشت وتساقطت ويكون الطرف الثاني ، ثم إذا غلب عليه الحر واليبس فيكون القيظ كيفما انجذبت الشمس على تدريج لأنها تقيم في كل برج شهرا وتقطع في كل يوم من البرج درجة والدرجة لا تحس وهي تسير ، فكلما انجذبت زاد حرها وفي ازدياد حرها تسخن الأرض وتتحلل الرطوبات وتسخن أغصان الأشجار من فوق ، فإذا استحر الغصن استدعى الماء وطلب رطوبة الجزء الذي تحته ويستدعيه الذي تحته من الذي تحته حتى يقع الاستدعاء من قاع الشجرة ، وتستدعيه الشجرة من الأرض الأرض بعضها من بعض ، فإذا حصل الماء في العود أذابته الشمس وجرى في العود بطبخها وبما تستمد من لطيف الماء ولطيف التراب يحيله الشمس ثمرة ، ثم تخرج ما في طبع ذلك العود من الثمرة بإذن الله تعالى.
والشكل يخرج بطبعه الذي ركبه فيه الفاطر العليم بواسطة حر الشمس في إقبالها وإدبارها ودخول الحر في الأرض عند إقبالها وإدبارها حسب ما تمر في البروج ، فالشمس جعلها البارئ سبحانه سبب الحرث والنسل وهي علة النباتات والحيوانات والمعادن ، إذ سبب المعادن أبخرة تحتقن في الأرض فيكون منها أدخنة كبريتية ، فيمر عليها نشع الماء في الأرض فتعقده وهذا مبرهن عند المشتغلين بعلوم التحليل والكيمياء ، فإنهم زعموا أن الزئبق ينعقد بإشمام رائحة الكبريت وإمداده من خارج بأن يذاب ويطرح عليه أو يغلى ويترك فيه. ثم عند اجتماع الماء والكبريت تكون مادة الجوهر في الأرض ، إما باعتدال امتزاج وصبغ فيكون منه الذهب. أو بإفراط فيكون منه النحاس ، أو بتقصير خفيف فتكون منه الفضة. هذه الحركة الشمسية متعلقة بالحركة الشرقية ، ومثال ذلك الرحى مع قطبها ، فإن القطب يقطع شبرا في شبر