وتأليف القياس فيه أن يقال : إن كنت تحب لقاء زيد فأنت صديقه لكنك تحب لقاءه فأنت إذا صديقه ، فيجيء البيان فيه على وفق المقدمة. ونظم القياس لليهود أن يقال : إن كان اليهودي يحب لقاء الله تعالى فهو ولي ، لكنه يكره لقاء الله تعالى فإذا ليس هو بولي ، وكما قال إبراهيم عليهالسلام للذي حاجّه (فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ). فغاية هذه العلوم موقوفة على منافع دنيوية إلا أن تصرف إلى الآخرة ، كما فعلت الأنبياء عليهمالسلام في خطاباتهم وجدلهم ، فالدنيا ركاب الآخرة وهي مضرة إذا طلبت لنفسها ، ونافعة إذا طلبت للآخرة فإذا مقدار سعادة هذه العلوم ما يقصد مقدار بها.
وأما العلوم التي يطلب بها السعادة العلمية النافعة فتنقسم إلى أربعة أقسام : طبيعية ورياضية وسياسية وإلهية ، والغرض بالطبيعية معرفة العالم وتركيبه ومزاجه ومعرفة النباتات والحيوان والمعادن والأمراض والأمزجة وصلاحها وفسادها ، وهو خادم معين كالخبز والغذاء للإنسان وكذلك هو مع تلك العلوم.
وأما الرياضيات فأربعة أنواع : الهندسة والحساب والمنطق والنجوم فأما الهندسة : فمقصودها معرفة الأطوال والكميات والمقادير وهي آلة يستعان بها. والحساب غرضه معلوم. والمنطق غرضه تمييز الأمور العقلية من المحسوسات وتمييز البرهان من الشك في الاعتقاد. وأما علم النجوم فمقصوده معرفة الأفلاك وحركاتها وكواكبها وسائر أحكامها ، وفائدته معرفة الكائنات.
وأما الإلهيات فمقصوده أربعة أشياء العلم بالله سبحانه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
وأما السياسة فمقصوده تهذيب النفس في جلب منفعة ودفع مضرة ما عاجلة. والخلق مع سائر هذه العلوم وهي معهم إما كالغذاء لهم وإما كالدواء والرسل مبعوثون لتبيين الجميع ومقاديرها في السعادة على ما ذكرنا لكن تختلف أشخاص الناس وحالاتهم على اختلاف قرائحهم وغرائزهم ومقدار قبولهم وعقولهم والتقسيم يأتي على هذه النسبة فنقول : أما ما هو كالغذاء فكالعلوم الإلهية فلا غناء بأحد منها فإن سائر هذه العلوم دورانها على بيانه والخالق هو الأصل ولا حال لمن جهل باريه وأما ما هو كالدواء فيخص ويعم في بعض العلوم السياسية وهي ما تعلق منها بفروض الأعيان ، فعلى كل شخص أن يعرف هذا في العلم السياسي ، وأما في غيره من العلوم فيستعمل الإنسان منه مقدار حاجته إن احتاج إليه ، وإلا فالاشتغال بما يفيد أحسن إذ الإنسان ذو شغل كثير. وأما ما هو كالداء فهو يضر بالنسبة إلى حالات الأشخاص وهو كل شيء متى أوصلناه إلى شخص وجدناه يضربه فهو دواء في حقه ، فإن العسل وإن كان حلوا عند من أفرط عليه البلغم ، فهو مر عند من أفرطت عليه المرة الصفراء إذ هو في حقه داء. والعلوم إنما هي بالإضافة فلقد يوجد الله تعالى :
خلق تضرّ الحقائق بهم |
|
كما تضرّ رياح الورد بالجعل |
وقد قال صلىاللهعليهوسلم : «حدّثوا النّاس بما يفهمون». وقال عيسى عليهالسلام : لا تعلقوا الدّرّ في أعناق