ثم أمر به فضرب مائة ، وتهدّد بالقتل ودعا بالنّطع والسّيف ، فقال : لي الأمان؟ قال : نعم. فقال : أنا أعمل في أتون الآجرّ ، فأتى عليّ منذ شهور رجل في وسطه هميان (١) ، فتبعته. فجلس بين الآجرّ ولا يعلم بي ، فحلّ هميانه وأخرج دنانير ، فوثبت عليه وسددت فاه ، وكتّفته وألقيته في الأتّون ، والدّنانير معي يقوى بها قلبي. فاستحضرها فإذا على الهميان اسم صاحبه. فأمر فنودي في البلد ، فجاءت امرأة فقالت : هو زوجي ، ولي منه طفل. فسلّم الذّهب إليها ، وهو ألف دينار ، وضرب عنق الأسود (٢).
قال : وبلغني عن المعتضد أنّه قام في اللّيل فرأى بعض الغلمان المردان قد وثب على غلام أمرد ، ثم دبّ على أربعة حتّى اندسّ بين الغلمان. فجاء المعتضد فوضع يده على فؤاد واحد واحد حتّى وضع يده على ذلك الفاعل ، فإذا به يخفق ، فوكزه برجله فجلس ، فقتله (٣).
قال : وبلغنا عنه أنّ خادما له أتاه فأخبره أنّ صيادا أخرج شبكته ، وهو يراه ، فثقلت ، فجذبها ، وإذا فيها جراب ، فظنّه مالا ، ففتحه فإذا فيه آجرّ ، وبين الآجرّ يد مخضوبة بحنّاء. وأحضر الجراب.
فهال ذلك المعتضد ، فأمر الصّيّاد ، فعاد وطرح الشّبكة ، فخرج جراب آخر فيه رجل. فقال : معي في بلدي من يقتل إنسانا ويقطع أعضاءه ولا أعلم به؟ ما هذا ملك.
فلم يفطر يومه ، ثم أحضر ثقة له وأعطاه الجراب وقال : طف به على من يعمل الجرب ببغداد [فسل] لمن باعه.
فغاب الرجل وجاء ، فذكر أنّه عرف بائعه بسوق يحيى ، وأنّه اشترى منه عطّار جرابا. فذهب إليه فقال : نعم ، اشترى منّي فلان الهاشميّ عشرة جرب ، وهو ظالم من أولاد المهديّ. وذكر من أخباره إلى أن قال : يكفيك أنّه كان يعشق جارية مغنّية لإنسان ، فاكتراها منه ، وادّعى أنّها هربت.
__________________
(١) الهميان : كيس النقود من جلد.
(٢) الأذكياء لابن الجوزي ٤٢ ، ٤٣.
(٣) الأذكياء ٤٣.