قال : وصحبته إلى أن مات ، فما سمعته يذكر ذلك لقلّة احتفاله بما صنع (١).
قلت : وكان المعتضد يبخل ويجمع المال. وقد ولي حرب الزّنج وظفر بهم. وفي أيّامه سكنت الفتن لفرط هيبته (٢).
وكان غلامه بدر على شرطته ، وعبيد الله بن سليمان على وزارته ، ومحمد بن سياه على حرسه. وكانت أيّامه أيّاما طيّبة كثيرة الأمن والرخاء. وكان قد أسقط المكوس ، ونشر العدل ، ورفع الظّلم عن الرّعيّة.
وكان يسمّى السّفّاح الثاني ، لأنّه جدّد ملك بني العبّاس ، وكان قد خلق وضعف وكاد يزول. وكان في اضطراب من وقت موت المتوكّل (٣).
وبلغنا أنّه أنشأ قصرا أنفق عليه أربعمائة ألف دينار. وكان مزاجه قد تغيّر من كثرة إفراطه في الجماع وعدم الحمية بحيث أنّه أكل في علّته زيتونا وسمكا (٤).
ومن عجيب ما ذكر المسعوديّ (٥) إن صحّ قال : شكّوا في موت المعتضد ، فقدم الطّبيب فجسّ نبضه ، ففتح عينه ورفس الطّبيب برجله فدحاه أذرعا ، فمات الطّبيب. ثم مات المعتضد من ساعته.
وعن وصيف الخادم قال : سمعت المعتضد يقول عند موته :
تمتّع من الدّنيا فإنّك لا تبقى |
|
وخذ صفوها ما إن صفت ودع الرّنقا (٦) |
ولا تأمننّ الدّهر إنّي أمنته (٧) |
|
فلم يبق لي حالا (٨) ولم يرع لي حقّا |
قتلت صناديد الرّجال فلم أدع |
|
عدوّا ، ولم أمهل على ظنّة (٩) خلقا |
__________________
(١) المنتظم ٥ / ١٢٩ ، نهاية الأرب ٢٢ / ٣٧٢ ، ٣٧٣ ، الوافي بالوفيات ٦ / ٤٢٨ ، ٤٢٩.
(٢) ونقله الصفدي في : الوافي بالوفيات ٦ / ٤٢٩.
(٣) الوافي ٦ / ٤٢٩.
(٤) سير أعلام النبلاء ١٣ / ٤٦٧ ، الوافي بالوفيات ٦ / ٤٢٩ ، نهاية الأرب ٢٢ / ٣٥٨.
(٥) في مروج الذهب ٤ / ٢٧٤.
(٦) الرنق : بسكون النون ، الكدر.
(٧) في الكامل لابن الأثير : «إني قد أمنته». وفي البداية والنهاية : «إني ائتمنته».
(٨) في الكامل : «خلّا».
(٩) في الكامل : «على طغيه» ، وفي البداية : «على خلق».