قال : وكان أبو العبّاس شهما جلدا رجلا بازلا ، موصوفا بالرّجلة والجزالة. قد لقي الحروب ، وعرف فضله ، فقام بالأمر أحسن قيام ، وهابه النّاس ورهبوه أعظم رهبة. وعقد له المعتمد العقد أنّه مكان أبيه ، وأجرى أمره على ما كان أبوه الموفّق بالله ، ورسم في ذلك ، ودعي له بولاية العهد على المنابر. وجعل المعتمد ولده جميعا تحت يد أبي العبّاس. ثمّ جلس المعتمد مجلسا عامّا ، أشهد فيه على نفسه بخلع ولده المفوّض إلى الله من ولاية العهد ، وإفراد المعتضد أبي العبّاس بالعهود في المحرّم سنة تسع وسبعين. وتوفّي في رجب من السّنة ـ يعني المعتمد ـ فقيل إنّه غمّ في بساط حتّى مات.
قال : وكانت خلافة المعتضد تسع سنين وتسعة أشهر وأيّاما. وكان أسمر نحيفا. معتدل الخلق ، أقنى الأنف ، إلى الطّول ما هو ، في مقدّم لحيته امتداد ، وفي مقدّم رأسه شامة بيضاء ، تعلوه هيبة شديدة. رأيته في خلافته (١).
وقال إبراهيم بن عرفة : توفّي المعتضد يوم الإثنين لثمان بقين من ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ، ودفن في حجرة الرّخام. وصلّى عليه يوسف بن يعقوب القاضي (٢).
قلت : بويع بعده ابنه المكتفي بالله عليّ بن أحمد ، وأبطل كثيرا من مظالم أبيه ، ورثاه الأمير عبد الله بن المعتزّ الهاشميّ بهذه الأبيات :
يا ساكن القبر في غبراء مظلمة |
|
بالظّاهريّة (٣) مقصى الدّار منفردا |
أين الجيوش الّتي كنت تسحبها (٤)؟ |
|
أين الكنوز الّتي أحصيتها عددا |
أين السّرير الّذي قد كنت تملؤه |
|
مهابة ، من رأته عينه ارتعدا؟ |
أين الأعادي الأولى ذلّلت مصعبهم (٥)؟ |
|
أين اللّيوث الّتي صيّرتها نقدا (٦)؟ |
أين الجياد الّتي حجّلتها بدم؟ |
|
وكنّ يحملن منك الضّيغم الأسدا |
أين الرّماح الّتي غذّيتها مهجا؟ |
|
مذ متّ ما وردت قلبا ولا كبدا |
__________________
(١) تاريخ بغداد ٤ / ٤٠٧.
(٢) تاريخ بغداد ٤ / ٤٠٧.
(٣) الظاهرية : قرية ببغداد.
(٤) في البداية والنهاية : «تشحنها».
(٥) في البداية والنهاية : «صعبهم».
(٦) في سير أعلام النبلاء ، وتاريخ الخلفاء «صيّرتها بردا».