شرا بالنسبة إلى تعلقه بنا وضرره لنا ، لا بالنسبة إلى صدوره عنه تعالى ، فخلقه الشر ليس قبيحا ، إذ لا قبيح منه تعالى ، (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) (سورة الأنبياء : ٢٣).
(وعند المعتزلة) أنه إنما يريد من أفعال العباد ما كان طاعة ، و (سائر المعاصي والقبائح واقعة بإرادة العبد على خلاف إرادة الله تعالى) فإنه إنما يريد ـ عندهم ـ عدم وقوعها ، ويكره وقوعها ، فزعموا أنه يريد من الكافر الإيمان وإن لم يقع ، لا الكفر وإن وقع ، ويريد من الفاسق الطاعة لا الفسق كذلك.
قالوا : أولا : في التمسك لما زعموه (قال الله تعالى : (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) (سورة غافر : ٣١)) أي : ظلما مضافا للعباد كائنا منهم ، مع أن الظلم كائن من العباد بلا شك فهو ليس مرادا له تعالى ، ومثلها قوله تعالى : (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ) (سورة آل عمران : ١٠٨).
(و) قالوا : ثانيا : (إرادته ظلمهم) أي : ظلم العباد (لأنفسهم ثم عقابهم عليه ظلم ، فهو منزه عنه سبحانه) وهذا متمسّك عقلي.
(و) قالوا : ثالثا : (قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) (سورة الأعراف : ٢٨)) وقال تعالى : ((وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) (سورة الزمر : ٧)) وقال تعالى : ((وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) (سورة البقرة : ٢٠٥)) قالوا : والفساد كائن ، والمحبة تلازم الإرادة بل ليست غيرها ، فالفساد ليس بمراد. وعلى هذا المنوال استدلالهم بالآيتين اللتين قبلها.
وقالوا : رابعا : قال تعالى : ((وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)) (سورة الذاريات : ٥٦)) دل على أنه أراد من الكل العبادة والطاعة لا المعصية.
(وهذا) التمسك بالآيات المذكورة (بناء) منهم (على تلازم الإرادة والمحبة والرضا والأمر عندهم) فلا يتعلق واحد منها بدون تعلق سائرها بل لا تغاير بينها ، إذ هي بمعنى واحد عندهم :
وقوله : (ولأن) عطف على مقدر دل عليه الكلام السابق ، أي أن المعاصي والقبائح واقعة بإرادة العبد للآيات السابقة ، ولأن (إرادة القبيح قبيحة ، والأمر عندهم بغير المراد والمحبوب والمرضي سفه) والسفه محال على الله تعالى ، وهذا متمسك عقلي وما قبله من الآيات نقلي وسيأتي الجواب عن الجميع.
(ولنا :) في الاستدلال على أن إرادته تعالى متعلقة بكل كائن غير متعلقة بما