(فإن قيل :) حاصل ما ذكرتم أن المعاصي واقعة بقضاء الله تعالى وقد تقرر أنه (يجب الرضا) أي : رضا العبد (بالقضاء اتفاقا ، فيجب) حينئذ الرضا (بالمعاصي) التي منها الكفر (وهو باطل إجماعا) ، لأن الرضا بالكفر كفر إجماعا؟.
(قلنا : الملازمة) بين وجوب الرضا بالقضاء وبين وجوب الرضا بالمعاصي (ممنوعة) فلا يستلزم الرضا بالقضاء الرضا بها (بل) يجب (الرضا بالقضاء) أي : حكم الله تعالى الصادر عنه (لا بالمقتضي إذا كان منهيا) عنه ـ هو المعصية ـ (لأن الأول) أي : القضاء (صفته تعالى) وتقدس ، (والثاني) أي : المقضي (متعلقها الذي منع منه) سبحانه ، (ثم وجد على خلاف رضاه تعالى) على ما عرفت من الفرق بين الإرادة والرضا على ما عليه أكثر أهل السنة (من غير تأثير للقضاء في إيجاده ولا سلب مكلف قدرة الامتناع عنه بل وجد على مجرد وجه المطابقة للقضاء) لما قدمناه في تقرير رجع القضاء إلى العلم أو إلى الإرادة هذا تقرير ما في المتن وهو جواب مشهور.
وقد أورد عليه أنه لا معنى للرضا بصفة من صفات الله تعالى ؛ إنما الرضا بمقتضى تلك الصفة وهو المقضي ، وحينئذ فاللائق أن يجاب بأن الرضا بالكفر لا من حيث ذاته بل من حيث هو مقضي.
وقد أوضحه السيد في «شرح المواقف» (١) فقال : إن للكفر نسبة إلى الله تعالى باعتبار فاعليته له وإيجاده إياه ، ونسبة أخرى إلى العبد باعتبار محليته له واتصافه به ، وإنكاره باعتبار النسبة الثانية دون الأولى والرضا به باعتبار النسبة الأولى دون الثانية ، والفرق بينهما ظاهر ؛ لأنه ليس يلزم من وجوب الرضا بشيء باعتبار صدوره عن فاعله وجوب الرضا باعتبار وقوعه صفة لشيء آخر ، إذ لو صح ذلك لوجب الرضا بموت الأنبياء من حيث وقوعه صفة لهم ، وأنه باطل إجماعا. وبالله التوفيق.
__________________
(١) شرح المواقف ، ٨ / ١٧٧.