الله تعالى بما زعموه ؛ بل (ديننا) الذي ندين الله به اعتقاد (أن الله سبحانه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) (سورة الأنبياء : ٢٣)) كما نطق به كتابه العزيز في الآيات الثلاث المشار إليها وهي قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) (سورة الحج : ١٨) وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) (سورة المائدة : ١) وقوله تعالى : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) (سورة الأنبياء : ٢٣) (كل عوض وابتداء) أنا لهما خلقه سبحانه (من الرزق) فهو (فضل منه) عليهم (بلا استحقاق) عليه تعالى ، (لا يقبح منه تركه إذ استحقاق ذلك) الرزق (إنما يكون لغير المملوك ، فأما المملوك بجملة هويته) أي : ذاته المشخّصة (وقدرته وأفعاله كيف يستحق بعلمه) على مالكه (أجرا ورعاية مصلحة فضلا عما) أي : عن أن يستحق رعاية ما (هو الأصلح ، وهو) أي : والحال أن ذلك المملوك (مستحق عليه) ذلك العمل لمالكه ، أو : والحال أن ذلك العمل مستحق على ذلك المملوك لمالكه ، فمرجع قوله : «هو» إما المملوك وإما العمل (وغاية ما في منع الرزق أنه نوع إماتة) لمن منعه من الخلق ، (وله) تعالى (أن يميتهم اتفاقا) منا ومنهم.
وقد رد المصنف تمسّكهم بقولهم : «إن ترك رعاية الأصلح بخل يجب تنزيهه تعالى عنه» فقال : (وليس يلزم في تمام الكرم ونفي البخل) بالنسبة (للسيد بلوغ أقصى الغايات الممكنة في الإحسان إلى كل عبد ، بل هو) سبحانه (الحكيم) ذو الحكمة ، وهي عبارة عن كمال العلم وإحسان العمل واتقان الصنع ، (يفعل ما هو مقتضى حكمته الباهرة ؛ من الإعطاء لمن يشاء والمنع لمن يشاء) دون إيجاب يسلب الاختيار والمشيئة ، (كما قال تعالى : (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) (سورة المائدة : ٥٤) له سبحانه كمال الصفات ؛) التي دلت عليها أسماؤه الحسنى الواردة في الكتاب والسنة ، ويسمى معظمها صفات أيضا (من الكريم) وقد قيل في معناه :
إنه المتفضل الذي يعطي من غير وسيلة ولا مسألة (والمتجاوز) الذي يعفو عن العقاب ولا يستقصي في العتاب ، وقيل معناه : المقدس عن النقائص والعيوب ، ومن هذا قولهم كرائم الأموال لنفائسها ، (والجواد) وهو الواسع العطاء (وشديد العقاب ، وعدم بعضها نقص) تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، (واقتضت هذه الصفات الكريمة متعلقات) أي : أمورا تتعلق الصفات بها (فانقسم الخلق) لذلك (إلى شقيّ بعدله وسعيد بفضله) كما قال تعالى : (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) (سورة الشورى : ٧) (مع أن الكرم والفضل تعلّق بالكل) والبر والفاجر والمؤمن والكافر ؛ (فإن الكافر منعم عليه في الدنيا على رأي القاضي) أبي بكر منا